![]() |
وكانت الكرامة لحقوق الإنسان أخطرت المقرر الخاص المعني بالتعذيب في 25 أيلول/ سبتمبر 2009، تلتمس منه التدخل بشكل عاجل لدى السلطات اليمنية بشأن السيد محمد المقالح أحد ضحايا الاختفاء القسري في اليمن، كما التمست أيضا التدخل من فريق العمل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي، ومن السيد المقرر الخاص المعني بحرية التعبير، ومن الممثل المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان.
واختُطِف السيد محمد المقالح، البالغ من العمر 50 عاما، والمقيم في العاصمة صنعاء، يوم 17 أيلول/ سبتمبر 2009 من قبل عناصر من مصالح الأمن، ثم اختفت جميع آثاره لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر ونصف، حين جاء الاعتراف بوجوده في سجن حكومي على لسان الرئيس علي عبدالله صالح، ومن بعده الناطق الرسمي للحكومة اليمنية، فيما كانت الكرامة قد عبرت عن خشيتها من تعرض السيد المقالح للتعذيب وسوء المعاملة طيلة مدة الاختفاء.
واستمرت السلطات الأمنية في اعتقال الصحفي المقالح منذ اختطافه في السابع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، ورفضت الاعتراف بوجوده لديها لفترة ثلاثة أشهر ونصف، برغم توجيهات النائب العام في اليمن بإحالته إلى الإجراءات القضائية إن كان ثمة ما يتهم به، أو الإفراج عنه، وبعد اعتراف الرئيس صالح باحتجازه لديها استمرت في إخفائه ولم تسمح بزيارته أو معرفة مكانه حتى يوم الأحد 31 يناير 2010 حين سمحت له بالحديث مع أسرته عبر الهاتف لمدة لا تتجاوز دقيقة ونصف.
وأكد المرصد اليمني لحقوق الإنسان وهو منظمة يمنية محلية بأنه لم يسمح لأحد بمقابلة المقالح أثناء التحقيق معه في النيابة أخيراً، وأن مندوب نقابة الصحفيين الذي سمح له بالدخول "تمكن من سماع صوت المقالح فقط ولم يتمكن من الاتصال معه بأي طريقة"، فيما قال ناشطون إن "السلطات اليمنية أحضرت المقالح إلى مقر النيابة التي خضع للتحقيق أمامها وهو معصوب العينين وبدا أن صحته سيئة".
وأكد بيان صادر عن المرصد اليمني لحقوق الإنسان بأن "كافة الإجراءات المتخذة بحق المقالح إجراءات غير قانونية أو دستورية وتمثل انتهاكات صارخة وخطيرة لحقوقه المدنية وحقه في السلامة البدنية والكرامة والحرية الشخصية مثلما تمثل انتهاكاً للدستور والقوانين النافذة واستهتاراً بالتزام اليمن بالصكوك والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان"، كما استنكر المرصد تحقيق النيابة "مع شخص مختطف دون مراعاة للضوابط الدستورية وأبسط الإجراءات القانونية المفترض اتباعها من قبلها والأجهزة الأمنية عند القبض على الأفراد وتوجيه الاتهامات لهم"، مضيفاً بأن ذلك "يؤكد عدم دستورية النيابة الجزائية وكافة الإجراءات المتبعة من قبلها وينفي صفة الشرعية تماماً عن أية إجراءات بحق المقالح".
ويتولى السيد المقالح رئاسة تحرير صحيفة الكترونية، تابعة للحزب الإشتراكي اليمني "المعارض"، وعنوان موقعها على شبكة الانترنت: http://www.aleshteraki.net. وكان اختُطِف في 17 أيلول/ سبتمبر 2009 عند الساعة 11 ليلا خارج منزله، بينما كان يستعد لركوب سيارته، حيث لاحظ حينئذ أن إطارات سيارته قد تعرضت للفتق، وفي هذه اللحظة بالذات، توقفت حافلة صغيرة بالقرب منه، بدون لوحة تسجيل ولا تحمل علامات مميزة، وخرج منها عدة أشخاص مسلحين يرتدون ملابس مدنية، فأرغموه على الصعود معهم في سيارتهم تحت تهديد السلاح ثم غادروا المكان نحو وجهة مجهولة.
وللإشارة، فقد سبق أن القي القبض عدة مرات على السيد محمد مقالح، واعتقل سرا من قبل مصالح المخابرات (الأمن السياسي) دون إتباع الإجراءات القانونية، قبل أن يطلق سراحه من دون محاكمة، بعد قضائه عدة أشهر رهن الاعتقال.
وكان في كل مرة يعتقل فيها سرا لمدة طويلة، يتعرض خلالها للتعذيب، ويخضع لمعاملة لاإنسانية ومهينة، وكان يؤخذ عليه حينذاك مضمون مقالاته على شبكة الانترنت و فحوى تصريحاته العلنية.
وغداة اختطافه، حاولت أسرته معرفة مكان اعتقاله، إذ توجهت إلى مقرات مختلف الأجهزة الأمنية التي يرجح انه محتجز لديها (الأمن السياسي؛ الأمن القومي، الشرطة الخ.)، هذا بالإضافة إلى النائب العام في صنعاء، صاحب الولاية الإقليمية المخول للقيام بذلك، غير أن هذه الجهات نفت جميعها أن تكون لها أي صلة بعملية الاعتقال هذه. كما تدخلت النقابة الوطنية للصحفيين، بالإضافة إلى ممثل المنظمة من أجل التغيير والدفاع عن الحقوق والحرية، فضلا عن المنظمة اليمنية للدفاع عن لحقوق والحريات الديمقراطية، لدى مكتب المدعي العام في صنعاء ولكن دون جدوى حتى اللحظة الراهنة. ولم يستطع المدعي العام الذي وعد بالتدخل بهذا الشأن، أن يقدم لهذه الجهات معلومات حتى الآن، وذلك بعد مضي أكثر من أسبوع على عملية الخطف، كما أنه لم يأمر بإجراء تحقيق بشأن عملية الخطف والاحتجاز وفق ما يشترطه القانون، في حالة وقوع جريمة أو جناية.
وفي ضوء ذلك، ليس ثمة أدنى شك في أن يكون سبب اختطاف السيد محمد مقالح مجددا، يعود بالدرجة الأولى إلى تعبيره علنا عن آرائه التي تنتقد سياسة الحكومة وخصوصا ما يتعلق منها بانتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بعمليات القمع التي تشنها القوات الحكومية لإخماد أصوات الاحتجاج في جنوب البلاد وفي منطقة صعدة.
وبناء على ما سلف ذكره، فقد كان هناك ما يبرر خشية أسرته، من أن يتعرض السيد المقالح مرة أخرى للتعذيب و / أو سوء المعاملة أثناء اعتقاله سرا، علما أن هذا النوع من الاعتقال يشكل في حد ذاته صنفا من أصناف التعذيب.
وتتركز مخاوف الأسرة حالياً من أن تقدم السلطات اليمنية على محاولة تلفيق أي اتهامات سياسية لمحاكمته بموجبها أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وذلك بهدف تبرير الانتهاكات التي ارتكبتها بحق السيد المقالح بدءاً من جريمة الاختطاف والإخفاء القسري مروراً بالاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة.
يشار إلى أن اليمن صدّق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 09 شباط/ فبراير 1987، وعلى اتفاقية مناهضة التعذيب في 05 تشرين الأول/ أكتوبر 1991. ونظرت لجنة مناهضة التعذيب في التقرير الدوري المقدم من اليمن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، ولكن من دون حضور ممثل عن الحكومة اليمنية، كما قدمت الكرامة مساهمة لها في إطار عملية الاستعراض هذه.