ويُعَد الوضع المقلق لحقوق الإنسان في اليمن، نتيجة تراكم عدد من العوامل الداخلية المتعلقة بالنزاعات التي تجري وقائعها في شمال البلاد وجنوبه، هذا بالإضافة إلى طبيعة السلطة القائمة، وحالة الفقر المتفشي، وطبيعة الهياكل الاجتماعية السائدة، وما إلى ذلك. كما تجدر الإشارة إلى أثر العوامل الخارجية، ذات الصلة بالوضع الجيو- ستراتيجي للبلد، إلى جانب الضغوط الممارسة عليه في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب، مما أسهم إلى حد بعيد وخطير في تدهور الوضع السياسي، وتباعا في تدهور وضع حقوق الإنسان.
وإذا كان اليمن قد حقق تقدما ملحوظا في مجال التشريع، يظل مستوى الممارسة، في المقابل، دون التطلعات، بحيث لا يتم بالقدر الكافي احترام المبادئ المنصوص عليها في مختلف القوانين، كما أن التجاوزات التي يرتكبها أعوان الدولة أو الشخصيات المحلية النافذة لا يتعرض أصحابها للمقاضاة، أو معاقبتهم عليها.
هذا بالإضافة إلى أن حالات الاعتقال التعسفي، والاحتجاز السري، وضروب التعذيب وظروف الاعتقال القاسية، والمحاكمات الجائرة، والإعدام خارج نطاق القضاء، وعمليات ترحيل الأشخاص إلى بلدان لا تحترم حقوق الإنسان، كلها ممارسات معمول بها على نطاق واسع.
وقد نفذت الأجهزة الأمنية العديد من حملات الاعتقالات ضد أشخاص يشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة أو تورطهم في أنشطة "إرهابية". كما جرت عدة عمليات إلقاء القبض خلال التجمعات والمظاهرات في الجنوب، في حين، شهدت المنطقة الشمالية من محافظة صعدة، حيث تجري حرب ضد أتباع المذهب الزيدي، عمليات توقيف طالت المئات من المدنيين الذين لم يشاركوا في النزاع المسلح بين الجيش والحركة الحوتية المتمردة، خاصة كدرب من دروب الانتقام لإرغام المقاتلين على الاستسلام أو للانتقام منهم. ولا بد من الإشارة أن هذه العمليات، التي عادة ما تتصف بالعنف، تصاحبها انتهاكات خطيرة للقوانين وحقوق الأشخاص الموقوفين.
ورغم نفي الحكومة وجود مراكز اعتقال سرية، فثمة أدلة، تثبت مع ذلك أن مختلف الأجهزة، بما فيها جهاز الأمن السياسي، تتوفر على أماكن اعتقال، تستخدم للاحتفاظ سرا بالأشخاص الموقوفين أو المعتقلين، لفترات طويلة، دون تمكنهم من الاتصال بالعالم الخارجي أو بأسرهم.
وفي كثير من الأحيان يتعرض الأشخاص الذين تعتقلهم مصالح الأمن السياسي للتعذيب وسوء المعاملة، علما أن ممارسة التعذيب تجري على نطاق واسع لغرض انتزاع "اعترافات" من المشتبه بهم، يتم استخدامها ضدهم في حالة إحالتهم على القضاء.
وتشير شهادات الضحايا أنهم تعرضوا للضرب بينما كانوا معصبي العينين، ومكبلي اليدين لفترات طويلة، هذا فضلا عن حرمانهم من الطعام والماء، والنوم، وتعليقهم من الأرجل لفترات طويلة، وإبقائهم في العزل لفترات طويلة، وتهديديهم بالقتل، وما إلى ذلك من أصناف الضغط وسوء المعاملة. وتجدر الإشارة إلى أن أوضاع الاعتقال جد متدهورة، وتصل إلى درجة يرثى لها بحيث تمثل هذه الأوضاع في حد ذاتها شكلا من أشكال سوء المعاملة، من قبيل: سجون مكتظة، وظروف اعتقال مزرية، ولاسيما انعدام الرعاية الصحية.
ونشير في هذا الصدد أن الكرامة تقدمت في إطار تقريرها، بعدد من التوصيات إلى لجنة مناهضة التعذيب، موجهة من خلالها إلى السلطات اليمنية، منها على وجه الخصوص:
- إدخال تدابير مناسبة لضمان استقلالية (استقلال) حقيقية للسلطة القضائية؛
- حظر جميع مراكز أو أماكن الاعتقال التي لا تخضع لسلطة الدولة؛
- مراقبة من جانب السلطات المدنية لجميع أماكن الاعتقال، بما في ذلك المراكز التي تديرها مصالح الأمن السياسي والأمن القومي وضمان حق الزيارة للجنة الدولية للصليب الأحمر ولهيئة وطنية مستقلة لمراكز الاعتقال؛
- التطبيق الصارم لأحكام القوانين والإجراءات المتعلقة بالتوقيف والاحتجاز على ذمة التحقيق؛
- ضمان تمتع جميع المعتقلين بظروف احتجاز تتوفر فيها المعايير الإنسانية الواجبة؛
- احترام حق ضحايا التعذيب في تقديم الشكاوى وتوفير ضمانات تكفل إجراء تحقيقات في جميع مزاعم التعذيب ومقاضاة مرتكبي هذه الجرائم والمسؤولين عنها.
تقرير الكرامة باللغة الإنجليرية