تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
أحداث 11 سبتمبر

لم تتوقف حروب الولايات المتحدة الأمريكية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، متخذةً أشكالا عدة، وبات العالم بأسره مسرحًا لحروب الولايات المتحدة وحلفائها على "الإرهاب" دون أي اعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدول لحقوق الإنسان.

‎لقد أرسى القادة الأمريكيون عقب "الثلاثاء الأسود" قواعد جديدة تتجاوز الأعراف الدولية، تأسيسًا على خطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (2001-2009) أمام أعضاء الكونغرس بعد تسعة أيام من الهجمات، مخاطبًا العالم بقوله: "إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين"، وأضاف بوش حينها: "من اليوم فصاعدا، ستعتبر الولايات المتحدة أي دولة تؤوي أو تدعم الإرهاب بأنها نظام معادٍ"، معلنا وضع بلاده في "حالة تأهب للحرب"، وأن "الطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهاب الذي يهدد أسلوب حياتنا هي إيقافه والقضاء عليه وتدميره في مكان نموه.. ".

‎لقد كان هذا الخطاب بمثابة نقطة بداية الاستراتيجية الأمريكية لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لتوسيع رقعة الهيمنة الأمريكية، وتاليًا صارت التدخلات الأمريكية في شؤون الدول الإسلامية أمرًا اعتياديًا بذرائع "الحرب على الإرهاب".

‎في نفس السياق، عزز الخطاب السياسي الأمريكي بواعث الإسلامفوبيا في الغرب وتعرضت الجاليات المسلمة لحملات تضييق واستهدافات واسعة، وصودرت حقوق أفرادها في الحريات والأمن الشخصي ولا يزال خطاب الكراهية ضد المسلمين يمثل أحد الشواغل الرئيسية للمجتمعات المسلمة في الغرب.

‎لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا واسعة النطاق، انطلاقًا من أفغانستان مرورًا بالعراق والصومال واليمن، وفي الظل كانت تدور حرب أخرى شملت عمليات ترحيل سرية لمشتبه بهم في قضايا إرهاب تعرضوا لتعذيب وحشي في مواقع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والسجن العسكري الأمريكي سيئ السمعة في خليج غوانتانامو بكوبا، وهو الأمر الذي كشفت عنه النقاب لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2014، في سياق تقرير يتألف من أكثر من 700 صفحة انتقدت فيه تصرفات وكالة الاستخبارات ضمن برنامج الاعتقالات بشأن الإرهاب ومحاولتها التقليل من مدى الانتهاكات والكذب بشأن فاعلية البرنامج.

‎الإرهاب المضاد

‎يقول المحامي رشيد مصلي مدير الكرامة: "إذا كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر مثّلت إنكارًا لقيم حقوق الإنسان فإن الحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها فيما بعد حملت نفس القدر من الإنكار والتنكر لحقوق الإنسان، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وشهدنا انتهاكات مروّعة، ترقى بعضها لجرائم ضد الإنسانية".

‎وتطرق مصلي إلى بعض الأمثلة، من بينها عمليات القتل خارج نطاق القضاء لا سيما بواسطة الطائرات غير المأهولة، والتعذيب والإخفاء القسري، وغيرها.

‎آخر القضايا التي اشتغلت عليها الكرامة حالة المواطن الليبي مصطفى فرج محمد مسعود الجديد العزيبي (المعروف أيضًا باسم "أبو فرج الليبي")، الذي أحالت الكرامة قضية بتأريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي (WGAD) بالأمم المتحدة، ولا يزال هذا المواطن الليبي محتجزًا بشكل تعسفي في معتقل خليج غوانتنامو منذ نقله من "موقع سري" تابع لوكالة المخابرات المركزية في 4 سبتمبر/أيلول 2006، حيث أُلقي عليه القبض في 2 مايو/أيار 2005 في باكستان، على أيدي القوات الخاصة الباكستانية التي سلمته إلى القوات الأمريكية، وبعد ذلك احتُجز في سجون سرية في أفغانستان ورومانيا حيث تعرض للتعذيب حتى فقدَ سمعه.

‎معتقل غوانتانامو

‎بعد ثلاثة وعشرين عشرين عامًا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ما زال مرفق الاعتقال في خليج غوانتانامو يحتجز المعتقلين في تجاهل لحقوق الإنسان الأساسية. على الرغم من الوعود المقطوعة بإغلاقه، فيما يبدو أن طلبات إغلاقه المتكررة من طرف المفوضين الساميين لحقوق الإنسان المتعاقبين وخبراء الأمم المتحدة المستقلين على مر السنين ذهبت أدراج الرياح.

‎عملت الكرامة على عشرات الحالات لضحايا غوانتانامو، لكن قضية الجديد العزيبي تعتبر مثالًا صارخًا لما وصفه خبراء الأمم المتحدة "بالوضع الكافكاوي حيث يبدو حكم القانون بلا معنى، والقوة القسرية والوحشية للدولة هي الحالة السائدة".

‎هجمات الطائرات من دون طيار

‎مثّل برنامج "القتل المستهدف" أحد أبرز سمات الحروب الأمريكية المتناسلة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وشملت بلدانًا عدة، بينها اليمن وباكستان والصومال، وأجرت الكرامة تحقيقات ميدانية معمقة في اليمن حول الضربات الأمريكية بواسطة الطائرات من دون طيار، وذهبت إلى أماكن عدة لتوثيقها واستنطاق الشهود، وقدمت العديد من الشكاوى بناء على توكيلات موثقة من طرف أهالي الضحايا، كما أعدت تقارير مدعّمة بالأدلة وشهادات الضحايا الناجين من الهجمات الأمريكية بالطائرات المسيرة توضح الآثار الكارثية للهجمات على المدنيين.

‎إن خطاب واستراتيجية "الحرب على الإرهاب"، المنتهجة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر من طرف الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية والعربية، أظهرت فشلها الذريع في التصدي لظاهرة العنف المتطرّف، بل كانت لها نتائج عكسية وتسببت في تفاقم الظاهرة وانتشارها. بالإضافة إلى كونها كرست على الصعيد الدولي انتهاك حقوق الإنسان وثقافة الإفلات من العقاب. وتؤكد الكرامة مرة أخرى، كما أشارت إليه العديد من الشخصيات والمنظمات الحقوقية الدولية وغير الحكومية، أن محاربة العنف المتطرف والإرهاب يجب أن تراعي احترام حقوق الإنسان الأساسية وقيم العدل وصيانة الكرامة البشرية للجميع.