طلبت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان من المفوضة السامية لحقوق الإنسان تحويل ملف مصر إلى المحكمة الجنائية الدولية على غرار ما فعلته بخصوص الأوضاع في ليبيا، كما أدانت ازدواجية معايير المجموعة الدولية بخصوص ما يحصل في مصر من انتهاكات "قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية"، حسب تقديرها.
من جهة أخرى، اعتبرت منظمة الكرامة التي تتخذ من جنيف مقرا لها وتُصنّف ضمن أنشط المنظمات الحقوقية المدافعة عن الحقوق الإنسانية في المنطقة العربية عموما، أن المجموعة الدولية بصمتها عما يحدث في مصر من انتهاكات "لا تخدم قضية حقوق الإنسان على المدى البعيد"، كما حثت المؤسسات الأممية المعنية على "تسمية الأشياء بأسمائها".
إضافة إلى ذلك، تقدمت المنظمة الحقوقية بعدة طلبات إلى آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وإلى المفوضة السامية نافي بيلاي، مثلما يشرح السيد رشيد مسلي، المدير القانوني لدى المنظمة في الحوار التالي الذي خصّ به swissinfo.ch.
swissinfo.ch: كثيرا ما تضاربت مواقف المجموعة الدولية بخصوص ما حدث ويحدث في مصر منذ عزل الجيش للرئيس مرسي . كيف تقيمون أنتم من الناحية القانونية الأوضاع في هذا البلد؟
رشيد مسلي: من ناحية الشرعية الدولية، يجب التذكير بأن الأحداث الحالية هي نتيجة لانقلاب عسكري ضد رئيس تم انتخابه بطريقة ديمقراطية. قد نكون متفقين أو لا مع هذا الرئيس ومع ايديولوجيته السياسية، ولكن ما حدث ما هو في الواقع إلا انقلاب عسكري. وما نأسف له هو أن القليل من المؤسسات ومن الدول تحلت بالشجاعة الكافية لكي تسمي الأشياء بأسمائها. الإتحاد الإفريقي كان المؤسسة (الإقليمية) الوحيدة التي اتخذت موقفا قويا بإقصاء مصر من العضوية عقب هذا الإنقلاب.
ويجب أن نذكر بأن التطورات الأخيرة هي النتيجة المباشرة لهذا الإنقلاب. ومن ناحية انتهاكات حقوق الإنسان يمكن القول بأن هذه التطورات مأساوية وقد بلغت أبعادا أكثر خطورة خلال الأسابيع الأخيرة. ويمكن وصف الإنتهاكات التي تمت بأنها انتهاكات خطيرة ومنهجية. كما يمكن التأسف لعودة لفرض حالة الطوارئ التي لم يمر على رفعها وقف طويل. ويجب التذكير بأنه حتى في حال فرض حالة الطوارئ، ليس من حق دولة التنصل من التزاماتها الدولية وارتكاب انتهاكات خطيرة في مجال الحقوق الأساسية مثل الحق في الحياة، ومنع ممارسة التعذيب، والإعتقالات التعسفية.
ويمكن القول بعد ما تم بعد فض الإعتصامات في ميداني رابعة العدوية والنهضة بأن قمة الرعب تم بلوغها بلجوء الجيش والشرطة إلى استخدام مكثف للوسائل العسكرية، ولاستخدام القناصة لقتل المتظاهرين انطلاقا من الطائرات العمودية. ويمكن أن نصف، بدون تردد، من منظور قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية، تلك الجرائم التي ارتُكبت بأنها بمثابة جرائم ضد الإنسانية.
لديكم مراقبون على عين المكان. ما هي الإنتهاكات التي رصدتموها ووثقتموها خلال الفترة الأخيرة؟
رشيد مسلي: لدينا مجموعة باحثين في عين المكان. وقد تعرضت إحدى الباحثات التي تتعاون معنا، إلى إطلاق نار أثناء هذه الأحداث. وقد زار باحثونا مختلف الساحات والمراكز الطبية، ووثقوا مئات الحالات من القتل خارج نطاق القانون. وقد تعرض أحد باحثينا للاعتقال في أحد مراكز الطوارئ الصحية بالقرب من ساحة رابعة العدوية قبل طرده من قبل قوات الجيش اثناء دهمها للمركز. وقد كنت في اتصال هاتفي معه عندما انتهى من عد أكثر من 300 قتيل من المتظاهرين فقط في هذا المركز تم قتلهم بالرصاص أو بمواد نجهل طبيعتها، أُطلقت عليهم من الطائرات العمودية. وكان العديد من القتلى والجرحى متواجدين في الساحة. وقد نقل لنا أحد باحثينا بأن قوات الجيش كانت تُجهز على الجرحى حتى داخل مركز الطوارئ. وقد أبلغنا أكثر من 254 حالة موثقة إلى المقرر الأممي الخاص المعني بالإعدامات خارج نطاق القانون.
لكن السلطات المصرية تتحدث عن أن تيار الأخوان المسلمين الموالي للرئيس مرسي هو الذي يبادر بأعمال العنف والقتل. هل لاحظ مراقبوكم شيئا من هذا القبيل على عين المكان؟
رشيد مسلي: كان هناك بعض المتظاهرين الذين ألقوا بزجاجات مولوتوف حارقة ضد الجرافات. كما أفادنا مراقبونا بأن هناك بعض المتظاهرين الذين شُوهدوا وهم يحملون أسلحة، ولكنهم تحدثوا عن حالات معزولة. وعلى العكس مما أوردته بعض المصادر التي تحدثت عن استخدام المتظاهرين لأسلحة ثقيلة، فإن مراقبين تحدثوا عن أسلحة خفيفة وحالات منفردة. ولكن لم يستطيعوا تحديد هوية هؤلاء المسلحين، ومن خلال حديثهم مع المسؤولين عن المظاهرات، تبين أنهم يُدينون استخدام بعض المتظاهرين للأسلحة ويُصرّون على أن التعليمات التي أعطيت (إلى المشاركين في المظاهرات) تشير إلى الحفاظ على سلمية المظاهرات حتى النهاية.
بالإضافة إلى تقديم حوالي 260 حالة موثقة للآليات الخاصة التابعة لحقوق الإنسان، ما الذي تعتزمون القيام به كمنظمة مدافعة عن حقوق الإنسان لدى آليات حقوق الإنسان الأممية؟
رشيد مسلي: لقد توجهنا بطلب لفريق العمل المعني بالحبس التعسفي بخصوص وضع الرئيس محمد مرسي ومساعديه المعتقلين. كما رفعنا طلبا للآلية الخاصة المعنية بمناهضة التعذيب.
وقد كُلفنا مؤخرا من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني المصرية والعربية لرفع طلب عن هذه الأوضاع إلى المُفوّضة السامية لحقوق الإنسان، لمطالبتها باستخدام ما في وسعها من أجل مطالبة مجلس الأمن الدولي بإحالة الملف المصري على النائب العام للمحكمة الجنائية الدولية. وكما تعلمون، كانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان قد تدخلت في الوضع الليبي أمام مجلس الأمن الدولي، الذي قام في أعقاب ذلك بتحويل ملف الإنتهاكات التي ارتكبت من قبل نظام القذافي على أنظار المحكمة الجنائية الدولية.
لدينا اعتقاد راسخ بأن الإنتهاكات المرتكبة اليوم في مصر هي بنفس مستوى خطورة ما تم ارتكابه أثناء أحداث ليبيا. ولذلك لا نرى مبررات كي تستمر المجموعة الدولي في غض الطرف عن معالجة الأوضاع بنفس الطريقة التي عالجت بها أحداث ليبيا، لأن مبادئ حقوق الإنسان هي مبادئ دولية وكونية ويجب أن تبقى فوق كل الإعتبارات السياسية أو الإيديولوجية. إذ عندما يتم رصد انتهاكات من هذا الحجم، يتوجب على المجموعة الدولية أن تصدر رد فعل مماثل في كل الحالات المتشابهة.
هل تعتبرون بأن الإنتهاكات التي تم ارتكابها مؤخرا في مصر قد تكون من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية؟
رشيد مسلي: بالنظر إلى البند السابع من ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، نجد أنه ينصّ على أن قتل أو اضطهاد أي مجموعة أو طائفة يتم تحديدها بدوافع سياسية، هو بمثابة جريمة ضد الإنسانية. ويتعلق الأمر في هذه الحالة بتحديد ما إذا تم القيام بحالات قتل، وما إذا كانت عمليات القتل بأمر من السلطات السياسية، وهذا ما يبدو مطابقا للواقع في الوضع الحالي. وما إذا كانت عمليات القمع تستهدف مجموعة مُعيّنة لأسباب سياسية وهذا ما هو مطابق للواقع أيضا في هذه الحالة. لذلك، ووفقا لميثاق روما، لسنا وحدنا من يرى أن ما يحدث هو بمثابة جريمة ضد الإنسانية.
بالنظر الى هذا التردد في الموقف الدولي بخصوص الأوضاع في مصر، هل لديكم أمل في استجابة المفوضة السامية أو الآليات الأممية الخاصة لحقوق الإنسان، أو مجلس حقوق الإنسان لمطالبكم؟
رشيد مسلي: نحن كمنظمة غير حكومية قمنا بدورنا، اما استجابة المجموعة الدولية أو الآليات الخاصة لذلك فهذا أمر آخر. لكن ما نأسف له هو هذه الإزدواجية في المعايير أو الكيل بمكيالين من قبل بعض القوى المؤثرة على الساحة الدولية، لأن ذلك سوف لن يخدم قضية حقوق الإنسان. كما أن هذه المواقف قد تشكل تقهقرا في مسيرة حقوق الإنسان نحو العالمية والكونية.
محمد شريف - جنيف- swissinfo.ch
المصدر: http://www.swissinfo.ch/ara/detail/content.html?cid=36705658