تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

نشرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (CAT)، في 17 أغسطس 2015،  ملاحظاتها الختامية بشأن استعراضها الأولي للعراق الذي جرى في 13 يوليو 2015. وكانت الكرامة قبل ذلك قد قدمت تقرير الظل إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، سجلت فيه اهتماماتها الرئيسية إزاء التعذيب في العراق،لاسيما غياب تعريف للتعذيب، ومناخ الإفلات من العقاب السائد فضلا عن الاعتماد المنهجي من قبل القضاء على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللجنة قد شاركت اهتمامات الكرامة، وتناولت معظم القضايا التي أثارتها المنظمة.

وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (UNCAT)، يجب على الدول الأطراف تقديم تقرير إلى اللجنة بعد سنة واحدة من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ لتوضيح التدابير المتخذة لتنفيذها. وبعد تقديم العراق لتقريره الأولي، متأخرا بسنتين تقريبا عن موعده، قامت اللجنة خلال دورتها ال55 بتقييم مدى امتثال العراق للاتفاقية، ونشرت على إثره نتائجها الختامية.

غياب تعريف للتعذيب
أعربت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عن انشغالها إزاء غياب "تعريف واضح للتعذيب وفقا للاتفاقية" وغياب "الوضوح بشأن العقوبات المرتبطة بهذه الجريمة" في القانون العراقي، ونتيجة ذلك، أوصت اللجنة بأن يعتمد العراق تعريفا للتعذيب وفقا للمادة 1 من ااتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (UNCAT) وضمان إنزال العقوبة المناسبة على مرتكبي مثل هذه الجريمة. كما شدد خبراء الأمم المتحدة على مسألة "غياب نص واضح في تشريعات الدولة الطرف كفيل بضمان الحظر المطلق للتعذيب ورفض أي ظروف استثنائية لتبريره"، وبينما أعربت اللجنة عن أسفها للانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المرتكبة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، فقد سجلت أيضا أن التقرير الذي أعده مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) يتضمن معلومات عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، منها التعذيب الذي ارتكبته قوات الأمن العراقية والميليشيات التابعة لها خلال العمليات العسكرية في إطار مكافحة الإرهاب.

وفي هذا الصدد، دعا خبراء الأمم المتحدة العراق لإدراج مبدأ الحظر المطلق للتعذيب في قانونه الداخلي لضمان "عدم الدرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو حالات طوارئ أخرى، لاستخدامها كذريعة لتبرير التعذيب ". وبالنظر إلى بلد كثيرا ما يستخدم اعتبارات "الأمن القومي" ومكافحة الإرهاب لتبرير ممارسة التعذيب، فقد رحبت الكرامة بهذا التذكير الذي يوضح بأن اعتبارات الأمن القومي لا يمكن أبدا أن تبرر خروجا على الحظر المطلق للتعذيب.

الإفلات من العقاب لمرتكبي التعذيب
في تقرير الظل الذي قدمته إلى اللجنة أشارت الكرامة إلى أن مزاعم التعذيب في العراق نادرا ما يتم التحقيق فيها، وحتى عندما تجري التحقيقات، غالبا ما يتم التستر على أعمال التعذيب، مثلما توضحه حالة عامر البطاوي، البالغ من العمر 40 سنة والعضو سابقا في فريق حراسة نائب الرئيس السابق الهاشمي، الذي توفي تحت التعذيب في بغداد يوم 15 مارس 2012، ورغم تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات وفاته، تجاهلت هذه اللجنة تماما الآثار الواضحة للتعذيب الذي تعرض له، بما في ذلك العديد من الجروح والحروق في جسده، وقطع في اللسان. وخلصت هذه اللجنة إلى أن البطاوي قد "توفي جراء فشل كلوي."
وفي هذا الصدد، أكدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أن العديد من التقارير قد ذكرت انه "نادرا ما يتم التحقيق في شكاوى التعذيب وسوء المعاملة، مما يكرس بيئة خصبة للإفلات من العقاب." كما أعربت للجنة عن قلقها كون "الدولة الطرف لم تقدم معلومات محددة عن عدد شكاوى التعذيب أو سوء المعاملة أو عن أي تحقيقات ذات الصلة بها وكذا عن الملاحقات القضائية خلال الفترة المشمولة بالتقرير" وهو ما سبق أن أشارت إليه الكرامة في تقررها موضحة أن " التقرير الذي قدمته السلطات (العراقية) لم يدل بأية عناصر ملموسة حول تنفيذها للالتزامات المنبثقة عن الاتفاقية عن الاتفاقية ، واكتفت فقط بذكر تشريعاتها المحلية ذات الصلة".

في ضوء هذه الحقائق، حثت اللجنة العراق على العمل من أجل ضمان "فتح تحقيقات فورية ونزيهة من قبل هيئة مستقلة، في جميع شكاوى التعذيب أو سوء المعاملة"، و"تقديم المشتبه فيهم إلى العدالة، وفي حالة ثبوت إدانتهم، معاقبتهم بما يتناسب مع خطورة أفعالهم ".

الاعترافات المنتزعة تحت الإكراه
أكد العراق خلال استعراضه من قبل للجنة أن ممارسة التعذيب في البلاد لم تكن تتم بطريقة منهجية، في حين أعرب خبراء الأمم المتحدة عن بالغ قلقهم إزاء "التقارير التي تشير إلى التعذيب المنهجي الواسع النطاق وسوء معاملة في حق المشتبه فيهم أثناء الحجز في مخافر الشرطة، وكذلك في مراكز الحبس الاحتياطي التي تديرها وزارتي الداخلية والدفاع، لغرض أساسي يتمثل في انتزاع اعترافات أو معلومات لتستخدم لاحقا ضد المتهمين في الإجراءات الجنائية ".

ورغم ملاحظتها أن القانون العراقي ينص على عدم جواز قبول أدلة يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب، نددت اللجنة بما يتم فعلا "على أرض الواقع جراء قبول الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب وما ينجم عن ذلك من أضرار بالغة بحق التهمين. وفي هذا الصدد، تشير تقارير إلى أن المتهمين نادرا ما يحصلون على شهادات طبية نثبت ادعاءاتهم نظرا لحرمانهم من حقهم في زيارة الأطباء أثناء احتجازهم لدى الشرطة ". كما سجلت لجنة الأمم المتحدة أن ادعاءات المتهمين حول انتزاع الاعترافات منهم تحت الإكراه لم يتم التحقيق فيها، وأن الدولة الطرف لم تقدم أية معلومات عن القرارات التي اتخذتها المحاكم العراقية لرفض مثل هذه الاعترافات أو حول العقوبات الصادرة في حق القضاة الذين تقاعسوا عن ملاحقة حالات التعذيب.

علاوة على ذلك، أثار خبراء الأمم المتحدة مسألة الاعتقال السري في الحالات التي تنطوي على مخاوف أمنية، مشيرين إلى أن المشتبه فيهم بالإرهاب والمشتبه في تشكيلهم تهديدا أمنيا خطيرا "اعتقلوا دون أي أوامر توقيف، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي أو في مراكز اعتقال سرية لفترات طويلة من الزمن تعرضوا خلالها للتعذيب الشديد من أجل انتزاع الاعترافات"، وقد أشارت لجنة مناهضة التعذيب على وجه التحديد إلى مطار المثنى العسكري القديم الواقع غرب بغداد – الذي أشارت إليه الكرامة في مساهمتها – وهو مركز اعتقال سري شهير يديره اللواءين 54 و 56 في الجيش والتابعين مباشرة إلى مكتب رئيس الوزراء والذي يمارس فيه التعذيب بشكل منهجي . وبهذا الخصوص، طلبت لجنة الأمم المتحدة العراق بضمان "عدم احتجاز أي معتقل في أي مركز اعتقال سري، كون هذه المرافق تشكل في حد ذاتها خرقا للاتفاقية ويجب إغلاقها" و " بواجب التحقيق بشكل نزيه في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي يقول المعتقلون إنهم تعرضوا لها في مطار المثنى العسكري القديم، ونشر النتائج علنا، ومساءلة كل الجناة المسؤولين عن انتهاكات الاتفاقية. "

ماذا بعد؟
رغم أن موعد التقرير الدوري القادم للعراق لا يرتقب تقديمه قبل 15 أغسطس 2019، منحت اللجنة السلطات سنة واحدة لتنفيذ التوصيات التالية باعتبارها مساءل ذات أولوية:
• إجراء تحقيقات فورية شاملة ونزيهة في جميع مزاعم التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والإعدام بإجراءات موجزة، المرتكبة في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية.
• ضمان منح جميع المحتجزين، بموجب القانون وفي الممارسة، جميع الضمانات القانونية الأساسية منذ اللحظات الأولى من احتجازهم؛
• ضمان عدم احتجاز أي شخص في أي مراكز من مراكز الاعتقال السرية، كون هذه المرافق تشكل في حد ذاتها خرقا للاتفاقية وينبغي إغلاقها، كما حتت لجنة الأمم المتحدة الدولة الطرف على التحقيق وكشف أي مرفق مماثل إن وجِد، وتحديد طبيعة السلطة التي بموجبها تم إنشاء هذه المرافق،
• إعادة النظر في موضوع استخدام الحبس الانفرادي بهدف إلغائه.
لمشاهدة فيديو الخاص بالاستعراض الأولي للعراق، إضغط هنا.

 

لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم 0041227341008