قبل أكثر من عام، في مايو 2017، خضع لبنان لاستعراضه الأول من قبل لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة. في 30 مايو 2017، نشرت اللجنة الأممية ملاحظاتها الختامية، وأعطت لسلطات البلاد مهلة سنة واحدة لتنفيذ أربع توصيات ذات أولوية، وبالتحديد تعريف وتجريم التعذيب، احترام الضمانات القانونية الأساسية للمحتجزين، إنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وآلية وقائية وطنية، وآﻟﻴﺔ مستقلة ﻟﺘﻠﻘﻲ ﺷﻜﺎوى اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ. ودعت اللجنة الدولة الطرف والمنظمات غير الحكومية إلى متابعة تنفيذ هذه التوصيات وتقديم بيانات في هذا الشأن في غضون عام واحد.
في 6 يونيو 2018، قدمت السلطات تقرير متابعة ضمنته معلومات عن مدى تنفيذها للتوصيات الأربع. لكن الكرامة اعتبرت في تقريرها المؤرخ في 4 سبتمبر 2018 أن التدابير التي اتخذتها الحكومة غير كافية وأن هناك حاجة للمزيد من العمل للقضاء نهائيا على التعذيب.
تعريف وتجريم التعذيب
أوصى خبراء الأمم المتحدة في ملاحظاتهم الختامية بأن يعرف لبنان التعذيب وفقا لاتفاقية مناهضة التعذيب، ومعاقبته بما يتناسب مع خطورة الجريمة. اعتمد البرلمان اللبناني قانون مكافحة التعذيب في 19 سبتمبر 2017 وذلك بعد بضعة أشهر من استعراض البلاد من قبل لجنة مناهضة التعذيب. لكن السلطات تجاهلت التوصيات التي قدمتها اللجنة، وفشل القانون في الالتزام بالمعايير المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة.
تضمن القانون تعريفا محدودا للتعذيب وجعل الجريمة تقتصر على الأفعال المرتكبة "“أثناء الاستقصاء، والتحقيق الأولي، والتحقيق القضائي، والمحاكمات، وتنفيذ العقوبات". نطاق هذا الحكم يخلق فراغا قانونيا يمكن أن يؤدي إلى حالات تقع فيها أفعال التعذيب قبل التحقيق الأولي.
وعلاوة على ذلك ، يتضمن النص عقوبات غير كافية، لأنه يقضي بسجن الجناة مدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات - وهي عقوبات تنطبق عادة على الجنح - إذا لم تؤد أفعال التعذيب إلى الوفاة أو العجز البدني أو العقلي الدائم أو المؤقت.
وخلافاً لتوصيات لجنة مناهضة التعذيب، فإن هذا القانون يُخضع أعمال التعذيب للتقادم، ويخفق بشكل كبير في مقاضاة مرتكبي هذه الجريمة لأن التحقيق في أعمال التعذيب وملاحقة الجناة تتم أمام المحاكم العسكرية، التي تفتقر إلى الاستقلال والنزاهة، رغم أن السلطات تدعي خلاف ذلك في تقريرها.
الضمانات القانونية الأساسية
بعد الاستعراض، أوصى الخبراء السلطات اللبنانية بضمان "منح جميع المحتجزين، في القانون والممارسة، جميع الضمانات القانونية الأساسية منذ لحظة احتجازهم". تشير السلطات في تقريرها فقط إلى الأحكام القانونية الموجودة بالفعل دون تقديم مزيد من المعلومات. إلا أن الكرامة تلقت طيلة السنة المنصرمة العديد من الشهادات من أفراد وقعوا ضحايا للتعذيب، وحُرموا من الضمانات القانونية الأساسية. ويتعرض الأفراد لانتهاكات أشد قسوة عندما يتم القبض عليهم في إطار مكافحة الإرهاب من قبل المخابرات العسكرية التي تحيلهم إلى المحاكم العسكرية. وأبلغ المحامون الكرامة أنهم لا يزالون محرومين من الوصول إلى موكليهم إلى أن يتم تقديمهم إلى النيابة العامة واتهامهم رسمياً. بالإضافة إلى ذلك ، يتعين عليهم الاعتماد على اتصالاتهم الشخصية في عملية البحث عن موكليهم المحتجزين في مراكز الاعتقال العسكرية بمعزل عن العالم الخارجي. بل إن المشتبه بهم لا زالوا يحتجزون بصورة روتينية في مراكز الإحتجاز لفترات تتجاوز 48 ساعة، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى عدة أشهر.
وقد أعربت الكرامة عن قلقها من كون تقرير المتابعة المقدم من طرف الدولة لم يتطرق إلى التدابير التي اتخذتها لضمان إخضاع الميليشيات شبه الحكومية التي تقوم بعملية إنفاذ القانون، بما في ذلك حزب الله، لإشراف قانوني لضمان تمتع المحتجزين بالضمانات القانونية.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وآلية الوقاية الوطنية
وبينما طالبت لجنة مناهضة التعذيب حكومة لبنان بمواصلة عملية تعيين أعضاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلا أن هذه الأخيرة لازالت لم تفعل بعد حيث لم يتم تخصيص ميزانيتها بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية في 6 مايو 2018. وتعتقد المنظمات غير الحكومية أنه لن يتم مناقشة ميزانية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلا بعد تعيين حكومة جديدة.
في 21 مايو 2018 ، تم تسمية الأعضاء العشرة في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان من قبل مجلس الوزراء. لكن المنظمات غير الحكومية أعربت عن قلقها حيال ممثلي المجتمع المدني المسميين لأنها " تشعر بأن الأعضاء لا يمثلونها". وأشارت على وجه الخصوص عن انشغالها من تعيين عضوين "خارج دائرة المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان" ، بما في ذلك جنرال عمل في قوى الأمن الداخلي. كما افتقرت عملية الاختيار إلى الشفافية حيث أن القائمة الكاملة للمرشحين وسيَّرهم لم تُنشر على الإطلاق، على الرغم مطالبات منظمات المجتمع المدني المتكررة .
آلية الشكاوى الداخلية للسجون
وأوصت لجنة مناهضة التعذيب لبنان "بإنشاء آلية كاملة الاستقلالية لتقديم الشكاوى، وإعطاءها صلاحية القيام بتحقيقات فورية نزيهة وفعالة في جميع الادعاءات والشكاوى المقدمة بشأن أعمال التعذيب وسوء المعاملة".
عبّرت الكرامة عن قلقها من كون السلطات لم تُدرج في تقريرها سوى المؤسسات التي يُسمح لها بزيارة مرافق الاحتجاز، لكنها لم تقدم معلومات محددة عن تأثير هذه الآليات الداخلية. ورغم أن السلطات تدعي أن مكتب حقوق الإنسان لقوى الأمن الداخلي سيطلق نظاماً داخلياً لتقديم الشكاوى في سجن رومية، إلا أن ذلك لم يطبق حتى الآن.
ومن دواعي القلق أن تبقى مراكز الاحتجاز خاضعة لوزارة الدفاع، بما في ذلك الثكنات العسكرية، حيث تحدث أعمال التعذيب في أغلب الأحيان، خارج نطاق رصد هذه الآلية.
لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org أو مباشرة على الرقم: 0041227341006