منذ مطلع عام 2016، لم تتوقف الكرامة عن توثيق حالات الاختفاء القسري في مصر وإحالتها على الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة، آخرها حالة عمر محمد علي حمد و محمود إبراهيم مصطفى عطية، اللذين اختفيا أثناء مجزرة رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013. أما عبد الرحمن السيد محمود حسن و باسم أحمد شفيق أحمد و إسلام عيد زكي قرقورة فقد اختفوا على التوالي في 18 آب/أغسطس 2015، و 20 و 25 شباط/فبراير 2016. ولا تمثل هذه الحالات إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، وتجسد بشكل واضح مدى استفحال هذه الممارسة في البلاد منذ عامين ونصف، الأمر الذي دفع بالكرامة في نيسان/أبريل عام 2016 إلى رفع ادعاء عام إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة بشأن عدم تنفيذ إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في مصر.
ما هو الادعاء العام؟
الادعاء العام شكوى تُرفع إلى الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة، بشأن انتهاك دولة ما لمواد إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 1992. وهي لا تتطرق فقط إلى ممارسة الاختفاء القسري على نطاق واسع ولكن أيضا إلى غياب سبل الانتصاف المتاحة للضحايا وأسرهم وانعدام مساءلة مرتكبي هذه الجريمة. و يحيل الفريق العامل على أساس هذه الشكوى إلى الحكومات المعنية بانتظام، ملخصاً بالادعاءات الواردة من أقارب الأشخاص المختفين والمنظمات غير الحكومية وبالعقبات التي تعترض سبيل تنفيذ الإعلان في بلدانها، ويدعو الحكومات إلى التعليق على هذه الادعاءات إذا ما رغبت في ذلك.
علاقة الادعاء العام بالوضع في مصر
عندما بدأت الكرامة يتلقي تقارير حول حالات الاختفاء القسري التي يرتكبها الأمن الوطني، جهاز الاستخبارات الرئيسي في مصر، في منتصف عام 2014، كان معظم ضحايا هذه الممارسة مرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين التي استهدفتها السلطات منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013. وأظهرت البلاغات العديدة خلال الأشهر التالية نمطا واضحا لحالات اختفاء قسري قصيرة الأجل وفقا للتقرير السنوي للفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة لسنة 2015. لكن هذه الممارسة أصبحت اليوم ا تستهدف الأفراد عشوائياً، وصار يقبض على الضحايا من منازلهم أو في الشوارع ويختفون إثر ذلك بشكل قسري .
يحتجز الضحايا في السر داخل مرافق الأمن الوطني أو قوات الأمن في مجموع البلاد، في حين تغض السلطات الطرف عن عمليات القبض والاحتجاز غير القانونية، وتعطي تفويضا مطلقا لقوات الأمن الوطني بشأن مصير الضحية. وبالفعل لم تستدع النيابة العامة، الهيئة الوحيدة المخولة رسميا للقيام بمثل هذه التدابير، أي ضابط للتحقيق ولم تعمل على تعويض الضحايا و أسرهم في جميع حالات الاختفاء القسري التي وثقتها الكرامة في العامين الماضيين ونصف. عدم التحقيق في حالات الاختفاء هذه وصعوبة إثبات التجاوزات التي ارتكبت في حينها، عامل يجعلنا نصنف حالات الاختفاء هذه على أنها قسرية.
جميع الضحايا تقريبا أبلغوا بإكراههم على الاعتراف بجرائم ملفقة تحت وطأة التعذيب أثناء احتجازهم سراً. وبالفعل لا ينتهي احتجازهم السري ويحالون على النيابة العامة أو العسكرية وتوجه لهم الاتهامات إلا بعد تقديم "اعترافاتهم". وكانت النتيجة صدور أحكام قاسية بحق جل ضحايا الاختفاءات القسرية.
حالات الاختفاء القسري الجديدة نماذج لتفشي هذه الممارسة
عبد الرحمن وباسم وإسلام نماذج تظهر بوضوح العشوائية والطابع المؤسساتي لممارسة الاختفاء القسري في مصر. في 18 آب/أغسطس 2015، حضر ضباط الأمن الوطني إلى المتجر الذي يعمل فيه عبد الرحمن السيد محمود حسن بشارع الأهرام في القاهرة. ودون إعطاء أي توضيحات قيدوا يديه وسحبوه بعنف إلى الخارج ثم أخذوه إلى وجهة مجهولة. قام أقارب الشاب، بعد أن أبلغهم شهود بالواقعة، بالبحث عنه في عدد من مراكز الاحتجاز، لكن الشرطة أنكرت باستمرار اعتقاله.
في 20 فبراير 2016، وعلى نفس المنوال، قام ضباط يرتدون ملابس مدنية بالقبض على باسم أحمد شفيق أحمد في الشارع الخامس بالقاهرة الجديدة. وعلى الفور قدّمت أسرته بلاغات بشأن اختفائه إلى الجهات المعنية، إلا أنها لم تتوصل بمعلومات عنه إلا في 23 آذار/مارس 2016 عن طريق محام أفادهم بأن أحد موكليه أبلغه بأنه شاهد أحمد في مقر الأمن الوطني بالقاهرة وأنه تعرض للتعذيب. فاتصلوا بالسلطات مجددا وبالمجلس القومي لحقوق الإنسان، لكن دون جدوى.
في 25 شباط/فبراير 2016، داهم عدد من الرجال المسلحين بملابس مدنية شقة إسلام عيد زكي قرقورة بمدينة فوه شمالي القاهرة، وقبضوا عليه. توجه والده في نفس اليوم إلى مخفر شرطة فوه واستطاع رؤيته والحديث معه بضع دقائق. لكن عندما ذهب لزيارته في اليوم التالي أخبره رجال الشرطة أن إسلام نقل إلى مكان آخر دون مزيد من التفاصيل. ومنذ ذلك الحين، ترفض السلطات الكشف عن مكانه رغم كل المساعي التي قامت بها أسرته.
ومن المحتمل، كما هو الحال في معظم الحالات، أن الرجال الثلاثة محتجزون في السر لدى الأمن الوطني في مراكز احتجاز غير رسمية، على الرغم من أن هذا الجهاز غير مخول بموجب القانون المصري القبضَ على الأفراد أو احتجازهم، وقد يظهرون في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
ولا يعود الضحايا دائما للظهور مرة أخرى كما هو شأن عمر محمد علي حمد، 20 عاماً، و محمود إبراهيم مصطفى عطية، 37 سنة، اللذين اختفيا خلال مجزرة رابعة العدوية في 14 آب/أغسطس 2013 التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية. ولم تفد مساعي أسرهم العديدة في العثور عليهما، ولم تتوصل بأي معلومات عنهما ولم تتم مساءلة أي موظف عن اختفائهما أو وفاتهما المحتملة.
أمام العدد المتراكم لحالات الاختفاء القسري في مصر، والانتهاكات المرتكبة في حق الضحايا و الإفلات من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم، حثت الكرامة الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي بالأمم المتحدة على التدخل فورا والاستفسار من السلطات المصرية بشأن استفحال هذه الممارسة المنهجية في البلاد، ومطالبتها باحترام التزاماتها الدولية.
كما تدعو الكرامة السلطات المصرية إلى اعتماد خطة وطنية لمكافحة حالات الاختفاء القسري وفتح تحقيقات فورية مستقلة ونزيهة في جميع حالات الاختفاء القسري ومقاضاة ومعاقبة المتورطين فيها.
لمزيد من المعلومات
الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org
أو مباشرة على الرقم 08 10 734 22 41 00