قدمت الكرامة تقرير متابعة إلى التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) لحث لجنته الفرعية المعنية بالاعتماد (SCA) على خفض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (NCHR). ويسلط التقرير الضوء على فشل المجلس القومي لحقوق الإنسان في معالجة افتقاره إلى الاستقلال عن الحكومة وعدم فعاليته في التصدي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ويأتي تقرير الكرامة في أعقاب قرار اللجنة الفرعية للاعتماد التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بمنح المجلس القومي لحقوق الإنسان تأجيلا لمدة عام واحد لتصحيح هذه القضايا الحرجة. على الرغم من تصنيفه في البداية من قبل المجلس الأعلى لحقوق الإنسان في عام 2018، مما يشير إلى استقلاليته وفعاليته، فقد تعرض لانتقادات من الكرامة لكونه مجرد واجهة للحكومة لإخفاء سجلها المقلق في مجال حقوق الإنسان. أدى الانحياز الوثيق للمجلس القومي لحقوق الإنسان لصالح الحكومة إلى تقويض قدرته على التحقيق المحايد في انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، كما أبرز تقرير الكرامة.
أداة علاقات عامة للحكومة للتغطية على سجلها الكئيب في مجال حقوق الإنسان
في عام 2023، رددت اللجنة مخاوف المجتمع المدني بشأن عدم فعالية المجلس القومي لحقوق الإنسان، لا سيما في "معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز وظروف السجن، ووضع المدافعين عن حقوق الإنسان، والحق في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة، وحرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات".
ويرجع هذا القصور الخطير إلى عدم استقلالية المجلس القومي لحقوق الإنسان عن الحكومة، وخاصة السلطة التنفيذية، مما يمنعه من التحقيق بحرية في قضايا حقوق الإنسان الحساسة في مصر دون تدخل. سلطت الكرامة الضوء على أنه منذ إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول 2021 من قبل الرئيس الجنرال عبد الفتاح السيسي، استخدمت الحكومة التي يقودها الجيش المجلس القومي لحقوق الإنسان كأداةٍ أخرى للتغطية على سجله السيء في مجال حقوق الإنسان.
وبتصفح موقع المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يتضمن بيانات صحفية تشيد بالسلطات التنفيذية لالتزامها بحقوق الإنسان، يمكن للمرء أن يرى بوضوح الافتقار إلى الاستقلالية. إن تصور المجلس القومي لحقوق الإنسان كهيئة تابعة للحكومة لا يشاركه فيه المجتمع المدني المستقل فحسب، بل يبدو أيضا أنه فهمُ الحكومة للمجلس القومي لحقوق الإنسان، ووجهة نظر المجلس القومي لحقوق الإنسان عن نفسه.
يقول مدير الكرامة رشيد مصلي: "لن تفي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في مصر بولايتها أبدًا إذا ظلت هيئة حكومية تعتمد على موافقة السلطة التنفيذية"، داعيًا مصر إلى "تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان لمنحه الاستقلال وفقا لمبادئ باريس والسماح له بأن يصبح رقيبا فعالا وليس ذراعا للدولة".
لا تحسن في الأفق
في تقريرها الصادر في سبتمبر/أيلول – أكتوبر/تشرين الأول 2023، حثت الهيئة المجلس القومي لحقوق الإنسان على "تعزيز جهوده للتصدي لجميع انتهاكات حقوق الإنسان" و"ضمان إتاحة مواقفه بشأن هذه القضايا علنا، لأن ذلك سيساهم في مصداقية المؤسسة وإمكانية الوصول إليها لجميع الناس في مصر".
ومع ذلك، لا يزال الافتقار إلى الاستقلالية والفعالية، مما يعوق بشدة قدرة المجلس القومي لحقوق الإنسان على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها ورصدها وفقا لمبادئ باريس.
لا يزال المجلس القومي لحقوق الإنسان متحالفا مع الحكومة التي يقودها الجيش في مصر، كما يتضح من بيان صحفي هنأ فيه المجلس القومي لحقوق الإنسان المصريين على "ثورة 30 يونيو". ويشير ذلك إلى الانقلاب العسكري في يونيو/حزيران – يوليو/تموز 2013، مما أدى إلى أزمة غير مسبوقة في مجال حقوق الإنسان مع أكثر من 60,000 سجين سياسي.
ويؤكد هذا البيان فقط انحياز المجلس القومي لحقوق الإنسان الواضح لصالح الحكومة التي يقودها الجيش، والتي شنت حملة قمع شرسة ضد المعارضين السياسيين من جميع التيارات السياسية، مما أدى إلى الاحتجاز التعسفي لعدد قياسي من المواطنين المصريين للاشتباه في تعاطفهم أو انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وشددت الكرامة على أن ضحايا حملة القمع هم بالتحديد من هم في أمس الحاجة إلى مؤسسة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان تتمتع بسمعة مثالية في الحياد. وينبغي أن تكون المؤسسة متاحة لجميع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن آرائهم السياسية الحقيقية أو المتصورة.
وتفتقر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى القدرة على التعامل بفعالية ونزاهة مع شكاوى التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز. هذا الاستنتاج مستمد من تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان نفسه المقدم إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والذي وجد أن "الأغلبية الساحقة" من مزاعم التعذيب التي أدلى بها الضحايا لا أساس لها من الصحة.
إن النتائج التي توصل إليها المجلس القومي لحقوق الإنسان أكثر إثارة للقلق بالنظر إلى أن لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب قد وثقت التعذيب على نطاق واسع ومنهجي في مصر، في حين تواصل جماعات حقوق الإنسان الدولية والمحلية المستقلة الإبلاغ عن تفشي التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز.
إن التناقض الصارخ بين تقارير عائلات المعتقلين والمنظمات الحقوقية الدولية من جهة، وتقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان من جهة أخرى، يسلط الضوء على عدم استقلالية المؤسسة في واحدة من أهم وظائفها: زيارة السجون.
التقليل من مكانة المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري: ضرورة للمصداقية والعدالة
وشددت الكرامة على أن بيانات المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريرها الموازي إلى لجنة مناهضة التعذيب تظهر افتقارًا مقلقًا للاستقلالية، مما يعرض للخطر سلامة ضحايا التعذيب الذين يحيلون قضاياهم إليه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحفاظ على الوضع "أ" من شأنه أن يعطي أصحاب المصلحة انطباعًا خاطئًا بأن المركز الوطني لحقوق الإنسان مستقل، وأنه يمكنهم الاعتماد على معلوماته المتحيزة وغير الدقيقة.
وهكذا، تظهر تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان مخاطر منح الوضع "أ" لمؤسسة غير مستقلة لحقوق الإنسان، والسماح للمجلس القومي لحقوق الإنسان بالاحتفاظ بالوضع "أ" من شأنه أن يضر بالمصريين ويقوض عملية المراجعة التي تقوم بها الهيئة.
وفي الختام، شددت الكرامة على أن خفض مستوى المجلس القومي لحقوق الإنسان ليس أمرًا بالغ الأهمية فقط للمجتمع المدني والضحايا الذين يسعون إلى تحقيق العدالة، بل ضروري أيضًا لضمان مصداقية نظام التصنيف العالمي في مصر والعالم.
ما هي الخطوة التالية؟
ستقوم اللجنة الفرعية للاعتماد بمراجعة المجلس القومي لحقوق الإنسان خلال دورة سبتمبر-أكتوبر 2024، بناء على المعلومات المقدمة من المؤسسة والمنظمات غير الحكومية.
بعد المراجعة، قد تقرر اللجنة منح تأجيل لمدة عام آخر أو تخفيض التصنيف أو الحفاظ على الحالة "أ".