تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
SYR Commission Of Inquiry

يشكل كل من التقرير الأخير للجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية وتقرير بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في منطقة الغوطة في 21 آب، خطوات مفيدة نحو ضمان العدالة والمساءلة عن ضحايا النزاع السوري. ومع ذلك، يظل عمل هيئات الأمم المتحدة غير كافي، كما أن تحقيقاتهم لا تعفي بأي حال من الأحوال المجتمع الدولي من المسؤولية الأوسع، الملقاة على عاتقه لضمان "التحقيق على نحو صحيح في مثل هذه الانتهاكات وفرض عقوبات مناسبة، بما في ذلك تقديم مرتكبي أي من تلك الجرائم أمام العدالة"، وفق التعهد المتضمن في إعلان الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي المنعقد في سبتمبر أيلول 2012.

وفقا لتقرير لجنة التحقيق، فمن ضمن أخطر الانتهاكات التي ارتكبت في سوريا – في ظل إفلات مطلق من العقاب- الحصار والمجازر والقصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان المدنيين، باستخدام الأسلحة التقليدية بشكل أساسي، والتي نجم عنها قتل وتشريد الآلاف من الناس، كما يتحدث التقرير عن عمليات إعدام جرت بشكل اعتيادي دون إتباع الإجراءات القانونية، إلى جانب عدد كبير من حالات الوفاة أثناء الحجز، وآلاف الاعتقالات التعسفية والتعذيب على نطاق واسع ومجموعة كبيرة من حالات الاختفاء القسري.

وبناء على طلب من أقارب أو أصدقاء المختفين قسرا، تولت الكرامة متابعة عدد كبير من حالات الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي منذ بداية الأزمة، ومن جملة هذه الحالات، وضع شخصيات معروفة على نطاق واسع في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، مثل المحاكمة الجائرة التي تنظر حاليا في قضية مازن درويش وزملائه أمام محكمة مكافحة الإرهاب في دمشق، وأيضا قضية اختفاء حسام يوسف أو المتطوع في صفوف منظمة الهلال الأحمر، محمد أتفه، على سبيل المثال لا الحصر.

إن حالات الاختفاء الذي استهدفت العاملين في المجال الطبي مثل محمد أتفه، لا تلحق الضرر به وبأقاربه بشكل خطير فحسب، بل إنها تؤثر سلبا أيضا في السير الطبيعي للخدمات الصحية بشكل عام، وقد تم تسليط الضوء أيضا على هذه المسألة في وثيقة المؤتمر التي تم تعميمها أثناء انعقاد مجلس حقوق الإنسان خلال الحوار التفاعلي مع اللجنة يوم أمس.

وقد أعربت اللجنة عن قلقها بشأن "الاستهداف المتعمد للمستشفيات وأفراد الخدمات الطبية ووسائل النقل المستخدمة للإجلاء الطبي، وحرمان المصابين من الحصول على الرعاية الطبية، وسوء معاملة المرضى والجرحى"، مما يؤدي إلى انهيار الخدمات الصحية، على حساب فئات السكان لأكثر عرضة للخطر في سوريا.

وخلافا للبعثة المعنية بالتحقيق في ادعاءات استخدام الأسلحة الكيميائية، فقد عهد أيضا إلى لجنة التحقيق وبشكل صريح، مهمة التحقيق في المسؤوليات عن الانتهاكات الخطيرة التي تقوم اللجنة بتوثيقها. ومرة أخرى، حددت اللجنة كلا من القوات الحكومية والجماعات الموالية لها، باعتبارها مسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما حددت اللجنة، بشدة أكبر، الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة باعتبارها مرتكبة لجرائم الحرب.

وتجدر الإشارة أن مناخ الإفلات التام من العقاب منتشر وسط جميع الأطراف، نظرا لتقاعس القادة السياسيين والعسكريين لكلي الطرفين، عن فرض تدابير تأديبية، حتى ابسط التدابير منها، ضد الأفراد والكتائب أو الأجهزة الأمنية المتورطة في الأعمال الوحشية المذكورة أعلاه.

وعلى الصعيد الدولي، من شأن المفاوضات الأخيرة التي تهدف إلى القضاء على الأسلحة الكيماوية السورية، أن تسهم في إحياء الآمال في إنعاش مبادرة سياسية أوسع لإنهاء الأعمال العدائية، لكن رغم ذلك، تعرب الكرامة عن تخوفها من تعثر الجهود المبذولة من أجل وضع الأسس اللازمة لتحقيق المساءلة والعدالة، ومن إجهاض هذه الجهود أثناء سير العملية، مما قد يقلل من حوافز وحماس جميع أطراف النزاع في احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي اليوم.

كما أن ذلك من شأنه أن يقوّض بشكل خطير فرص نجاح إرساء عدالة انتقالية ذات مغزى، والإسهام في إدامة الشكاوى وتسميم المجتمع السوري لعقود قادمة. ولذلك فإننا ندعو المجتمع الدولي إلى عدم التضحية بمسألتي المساءلة والعدالة واستخدام جميع الآليات المتاحة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية والولاية القضائية العالمية، من خلال جهود منسقة، لمقاضاة أولئك الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد السوريين.