حذرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ميشيل باشيليت، من مخاطر الاستخدام واسع النطاق والجلي لبرامج التجسس بيغاسوس (Pegasus) في تقويض حقوق الأشخاص الخاضعين للمراقبة بشكل غير قانوني، بمن في ذلك الصحفيون والسياسيون، كجزء من أدوات ترهيب المنتقدين وإسكات المعارضة، كما تم ربط برامج المراقبة باعتقال وترهيب وحتى قتل الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وفقا للمسؤولة الأممية رفيعة المستوى.
يأتي ذلك في أعقاب سلسلة تقارير استقصائية نشرت أخيرا، كشفت النقاب عن استخدام حكومات عربية، بينها دولة الإمارات برامج التجسس الإسرائيلية ضد الصحافيين والمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وطالت عمليات التجسس موظفين أمميين، كما تحدثت التقارير عن قائمة تضم أكثر من 50،000 رقم هاتف يقال إنها تنتمي إلى أولئك الذين تم تحديدهم كأشخاص موضع اهتمام، من قبل عملاء شركة بيغاسوس، بما في ذلك بعض الحكومات.
واعتبرت المفوضة السامية هذه التقارير مقلقة للغاية، وتؤكد "بعضا من أسوأ المخاوف" المحيطة بإساءة الاستخدام المحتملة لهذه التكنولوجيا، مشيرة إلى أن أقساماً مختلفة من نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك مكتبها، "أثارت مخاوف جدية مرارا وتكرارا بشأن مخاطر استخدام السلطات لأدوات المراقبة من مجموعة متنوعة من المصادر-التي من المفترض أن تعزز السلامة العامة-من أجل اختراق هواتف وأجهزة كمبيوتر لأشخاص يقومون بنشاطات صحفية شرعية، أو يرصدون حقوق الإنسان أو يعبرون عن معارضة سياسية."
وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان إن الشركات التي تقوم بتطوير وتوزيع تقنيات المراقبة مسؤولة عن تجنب انتهاكات حقوق الإنسان، ويجب عليها اتخاذ خطوات فورية لتخفيف ومعالجة الضرر الذي تسببه منتجاتها، أو تساهم فيه، والقيام ب "العناية الواجبة بحقوق الإنسان" لضمان ألا تلعب أبدا دورا في "مثل هذه العواقب الكارثية" الآن، أو في المستقبل.وأضافت باشيليت أن على الدول أيضا واجب حماية الأفراد من انتهاكات الشركات لحقوق الخصوصية.
إرث تاريخي من الضرر
وفي غضون السنوات الأخيرة الماضية، سُلطت الأضواء على شركة "إن إس أو" الإسرائيلية بعد بيع تكنولوجيا القرصنة الخاصة بها إلى حكومات قمعية، كالإمارات والمملكة العربية السعودية والمغرب، وزادت حدة التركيز في أعقاب استخدام السعودية الأداة لاقتحام هواتف المعارضين السياسيين، بما في ذلك اتصالات الكاتب في واشنطن بوست جمال خاشقجي، والذي تعتقد وكالة المخابرات المركزية أن عملاء سعوديين قتلوه في إسطنبول بتركيا عام 2018 بناء على طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتقول "إن إس أو" إن أداتها يجب أن تستخدم حصريا لمكافحة الإرهاب أو الجرائم الخطيرة، لكن الباحثين والصحفيين وشركات التكنولوجيا وجدوا حالات متعددة لعملاء الشركة الذين يستخدمون الأداة للتجسس على المعارضين السياسيين، وهو ما أكده مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، ديفيد كاي، مشيراً إلى وجود "إرث تاريخي من الضرر" تسبب به برنامج بيغاسوس.
وتصيب برامج بيغاسوس الضارة الأجهزة الإلكترونية، مما يمكّن مشغلي الأداة من الحصول على رسائل وصور ورسائل البريد الإلكتروني وتسجيل مكالمات وحتى تنشيط الميكروفونات، وفقا لتقارير الكونسورتيوم.
نشاط الكرامة
ظلت قضايا الدفاع عن حرية التعبير ومناصرة المدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية على رأس سُلم أولويات نشاط الكرامة طوال السنوات الماضية، سواء من خلال الشكاوى الفردية إلى الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة أو في سياق الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان، وذلك لإدراكنا بالطبيعة القمعية للنظام العربي الرسمي وأجهزته الأمنية، وغياب أي أدوات للحماية القانونية، غير أن السلطات الرسمية في المنطقة العربية تسعى دوما لاستغلال أي ذريعة ممكنة للبطش بالمعارضين السلميين وكتم أصواتهم ومصادرة حق الرأي والتعبير والحريات الصحافية، وظلت يافطة مكافحة الإرهاب الذريعة الأكثر استخداما لتبرير القمع، وهي الذريعة ذاتها التي استخدمت للحصول على وسائل التكنلوجيا الحديثة لانتهاك خصوصية النشطاء وصولا إلى اعتقالهم المطول ومحاكماتهم الجائرة.
وفي الإمارات، لم تستثنِ السلطات ضحايا الاعتقال أثناء الزيارات العائلية من التنصت على حديثهم من خلال حاجز زجاجي، ففي شكواها بتأريخ 14 تموز/يوليو 2009 إلى فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي بخصوص خمسة من ضحايا الاحتجاز التعسفي في الإمارات نقلت الكرامة عن الضحايا، قولهم إن المعتقلين الخمسة تعرضوا للتعذيب، لكنهم يخشون الإدلاء بمزيد من التفاصيل، ذلك لأن التواصل مع العائلات في السجن، يتم عن طريق الهاتف، من خلال نافذة زجاجية، ومن المؤكد أن هذه المكالمات تخضع لمراقبة التنصت.
ويعد الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان الذين عملت الكرامة على قضيتهم، وقد كشفت تحقيقات بيغاسوس أنه كان أحد ضحايا عمليات التجسس التي قامت بها السلطات الإماراتية، ويعاني حاليا جراء الحبس الانفرادي وسوء المعاملة، وباتت حياته في خطر.
وفي تصريح صحفي قبل أيام، قال المحامي رشيد مصلي المدير القانوني للكرامة، إنه تفاجأ بالظروف القاسية التي يعيشها الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور، المعتقل منذ ربيع العام 2017، معتبراً ذلك سياسة تعذيب تتعارض مع المواثيق الدولية.
ويبدو أن عمليات التطفل على خصوصية الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان سمة بارزة تشترك فيها العديد من الأنظمة العربية، ففي وقت سابق، كانت الكرامة نشرت نقلا عن 8 منظمات حقوقية وإعلامية، مطالبات للنيابة العامة في لبنان بالتحقيق في تقارير تشير إلى وجود عملية تجسس سرية واسعة النطاق مرتبطة بـ "المديرية العامة للأمن العام اللبناني" (الأمن العام)، فيما أصدر باحثون مختصون بالخصوصية والمراقبة في 18 يناير/كانون الثاني 2018 تقريرا يزعم أن حملة تجسس باستخدام برمجيات خبيثة، مسؤولة عن سرقة مئات الجيغابايتات من البيانات الشخصية، كانت مرتبطة بمبنى يملكه الأمن العام، وبحسب التقرير، بدأت حملة التجسس منذ عام 2012 وكانت لا تزال مستمرة وقت النشر، وطالت آلاف الأشخاص في أكثر من 20 بلدا، منهم ناشطون، صحفيون، ومحامون، بالإضافة إلى مؤسسات تعليمية.
وبشأن المغرب، ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية ومنصة "فوربيدن ستوريز"، أن الرباط كانت واحدة من أكثر دول العالم استخداماً لبرنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، الذي أثيرت حوله فضيحة تجسس كبيرة في الأيام الأخيرة، مشيرة إلى أن جهازاً أمنياً مغربياً خصص حيزاً واسعاً لمراقبة وتعقب مسؤولين جزائريين داخل وخارج بلدهم. كما اقترن الحديث عن فضائح التجسس بالمغرب مع قضية اعتقال ومحاكمة الصحفي المغربي عمر الراضي.
وتذكّر الكرامة بأن أعمال التجسس على هذا النحو لا تعدو أن تكون انتهاكاً للحق في الخصوصية وحرية التعبير على النحو المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة الثانية عشرة من الإعلان العالميلحقوق الإنسان، التي تنص على أنه "لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات".