تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
.

أصدرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في دورتها 111 قرارها في قضية اعتقال واختفاء السيد لخضر بوزنية النائب المنتخب عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ بمقاطعة الشقفة بولاية جيجل.

أحالت الكرامة على اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في 8 يناير 2010 شكوى بشأن الاعتقال التعسفي للنائب البرلماني عن منطقة الشقفة بولاية جيجل واختفائه خلال تحويله في 27 أكتوبر 1993 بين سجني جيجل و قسنطينة من قبل الإدارة السجنية والدرك الوطني.

تذكير بالوقائع

كان لخضر بوزنية يبلغ من العمر حين اعتقاله 38 سنة وكان أبا لأربعة أطفال ومدرسا للأدب العربي بثانوية سيدي عبد العزيز بولاية جيجل. كان أحد الوجوه السياسية البارزة للجبهة الإسلامية للإنقاذ، انتخب بالأغلبية المطلقة (64,81%) خلال الدورة الأولى للانتخابات التشريعية التي جرت في 26 ديسمبر 1991 لمقاطعة الشقفة الانتخابية بولاية جيجل، و التي ألغيت إثر الانقلاب العسكري في 11 يناير 1992.

ألقي عليه القبض دون سبب في 24 مايو 1993 بحاجز أمني وضعه الدرك الوطني ببلدية العنصر بولاية جيجل. وجاءت عملية القبض هذه في إطار حملة اعتقالات واسعة شملت العديد من المنتخبين بالمنطقة، ضمنهم أخ الضحية المدعو حسين بوزنية رئيس بلدية الشقفة المجاورة.

احتجز لخضر بوزنية في السر لأشهر بعدة مقرات تابعة للدرك الوطني وبشكل خاص بالعنصر والميلية والسطارة والعوانة، ثم رحل إلى مقر القطاع العسكري العملياتي بجيجل، لينقل من جديد إلى المركز الإقليمي للبحث والتحري بقسنطينة التابع لدائرة الإستعلام والأمن. تعرض الضحية خلال اعتقاله في السر للأذى الجسدي ولأبشع أنواع التعذيب على أيدي ضباط الدرك الوطني و دائرة الإستعلام الذين بلغ بهم الأمر إلى صلبه بدق المسامير في يديه ورجليه.

أحيل على محكمة الميلية شهرا بعد اعتقاله. ظهر وقد تغير شكله ولم يكن قادرا على الوقوف وكانت جروح الصلب بادية على أطرافه. لم ير قاضي التحقيق بوعلام كراون ضرورة الإشارة إلى ذلك في المحاضر، ورفض عرضه على الطبيب رغم حالته الصحية التي كانت تستوجب ذلك، بل اكتفى باتهامه "بالمساس بأمن الدولة والانتماء إلى منظمة إرهابية" في غياب أية أدلة مادية تؤكد ذلك.

وضع بالحبس الانفرادي بسجن جيجل حيث استمرت حصص التعذيب وسوء المعاملة. ولم تستطع عائلته الحصول على إذن بزيارته إلا في 8 أغسطس 1993، وهناك شاهدت حجم معاناته.
أخبر لخضر أخاه خلال إحدى الزيارات أنه انتهى من تأليف كتاب تحت عنوان "التعددية الحزبية في الجزائر: الواقع والأبعاد" وأنه يود إخراجه من السجن، فتقدمت عائلته بالتماس إلى مدير السجن الذي رفض الطلب وصادر المؤلف، ونقل إثر ذلك بشكل غير قانوني إلى مقر دائرة الإستعلام والأمن حيث جرى استجوابه أزيد من 6 ساعات.

أخرجه عناصر تابعين لدائرة الإستعلام والأمن مرة أخرى من السجن في 26 أكتوبر 1993 لأسباب مجهولة. ثم كانت رحلته الأخيرة في اليوم التالي أثناء ترحيله نحو سجن قسنطينة استعدادا لمحاكمته التي كانت مقررة في 17 نوفمبر 1993. الغريب في الأمر أن قرار الترحيل الذي وقعه عمار رواينية، المدعي العام لدى مجلس قضاء ولاية جيجل، لم تكن تشمل إلا اسمه وغاب عنها بقية المتهمين في نفس القضية، والذين لم يتم نقلهم إلى سجن قسنطينة إلا في 7 نوفمبر 1993.

وضع في شاحنة الترحيلات بحضور كل من مدير السجن يوسف قنطاس، ورئيس الحجز سعيد قريمس، وهو أحد المتورطين في تعذيبه، وعدد من حراس السجن. في 27 اكتوبر 1993 على الساعة 11 غادرت الشاحنة السجن يحرسها موكب من سيارات الدرك الوطني تحت إمرة النقيب بن عودة، قائد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بالعوانة. لم يصل الضحية أبدا إلى سجن قسنطينة، وحسب مدير السجن فإنه لم يستلم أبدا معتقلا يحمل اسم لخضر بوزنية.

بعد أربعة أيام على ترحيله وتحديدا في 31 أكتوبر 1993، أعلنت قناة التلفزيون الوطنية نقلا عن بيان رسمي "أن قوات الأمن حققت إنجازا كبيرا، واستطاعت القضاء على إرهابي خطير يدعى لخضر بوزنية، وذلك على بعد حوالي عشر كيلومترات شرق مدينة الميلية". وكتبت صحيفة الوطن في عددها الصادر في في نفس اليوم "مقتل إرهابي يدعى لخضر بوزنية بتاسقيفت بولاية جيجل". وتغاضت وسائل الإعلام عن ذكر أن الشخص "المقتول" برلماني منتخب. وهو ما بث الشك لذى أقاربه في هوية القتيل، و توجهوا إلى سلطات ولاية جيجل التي امتنعت عن تأكيد المعلومة، في حين أكد لهم مدير سجن جيجل ترحيل الضحية إلى سجن قسنطينة.

عقدت في 17 نوفمبر 1993 جلسة محاكمة برلماني الشقفة والمتهمين معه أمام المجلس القضائي الخاص بقسنطينة، واستغرب رئيس المجلس لغيابه من قفص الاتهام، وتوجه المدعي العام إلى القاضي ليهمس له شيئا في أذنه. لينسحب بعد ذلك للمشاورة. عاد القضاة بعد دقائق ليفاجأ الجميع "بطي القضية بسبب موت المتهم لخضر بوزنية دون مزيد من الشرح".

قامت أسرة الضحية، رغم جو الإرهاب الذي فرضته السلطات الأمنية الجزائرية على المنطقة، والخوف من الانتقام ، بالعديد من المساعي لدى السلطات لمعرفة مصير قريبها. وتوجه أفراد الأسرة إلى مصلحة حفظ الجثث والمستشفيات بالمنطقة ومختلف الدوائر والإدارات ، وتأكدوا أن السلطات لم تسجل أية شهادة وفاة باسم لخضر بوزنية في سجلات الحالة المدنية.
كانت السلطات الإدارية والقضائية، في كل مرة تتوجه إليها الأسرة، ترفض الاعتراف بموت الضحية أو اختفائه، وأكدوا لها في جميع الأحوال أنه غادر سجن جيجل في 27 أكتوبر 1993، ووصل إلى سجن قسنطينة، لكنهم في المقابل رفضوا دائما تأكيد أو نفي أن الشخص المسمى لخضر بوزنية، الذي قُتِل من طرف قوات الأمن في 27 أكتوبر 1993، هو النائب المنتخب لمدينة الشقفة. كما رفض وكيل الجمهورية بمدينة الميلية استقبال شكوى الأسرة وفتح تحقيق في القضية، في حين أن عمار رواينية، النائب العام لولاية جيجل اكتفى بإخبار الأسرة أنه لا يستطيع فعل شئ وأن القضية تتجاوزه.

شكوى الكرامة إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

استمر مبروك بومعلي،وكيل الجمهورية لمدينة الطاهير ، في نفي اختفاء الضحية لغاية سنة 2008، ورفض تزويدهم بمحضر اختفاء واكتفى بتوجيههم إلى "السلطات المختصة" دون تحديدها.بعد هذا البحث المضني ورفض السلطات تسليط الضوء على اختفاء لخضر بوزنية، وإنهاء معاناة الأسرة وإطلاعها عن مصيره، رفعت أم الضحية قضيته إلى مؤسسة الكرامة التي خاطبت في 8 يناير 2010 اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

وكالعادة تجنبت الحكومة الجزائرية الرد بوضوح على خطاب الآليات الأممية وأوضحت أن "بعض الأشخاص الذين بلغ أقاربهم عن اختفائهم، التحقوا من تلقاء أنفسهم بالجماعات المسلحة وطالبوا أقاربهم بخلط الأوراق". وحاولت سلطات الجزائر خداع الخبراء الأمميين مدعية أن "الأشخاص المبلغ عن اختفائهم بعد إلقاء القبض عليهم، استغلوا فرصة الإفراج عنهم للالتحاق بالجماعات المسلحة" أو "أنهم يعيشون فوق التراب الوطني أو في الخاج بهوية مزورة .

ولتبرير سياسة القمع والاختفاء القسري المنهجي التي مارستها الحكومة الجزائرية خلال تسعينيات القرن الماضي، بما في ذلك التصفية المستهدفة للقيادات السياسية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم تتورع السلطات عن مطالبة اللجنة "بتفهم الوضع الأمني والسياسي للبلاد وأخذ ذلك بعين الاعتبار". استبعد خبراء الأمم المتحدة الحجج والأجوبة وكل التبريرات التي قدمتها السلطات الجزائرية.

ومن الواضح أن لخضر بوزنية كان معتقلا في سجن رسمي، تحت مسؤولية وزارة العدل، وكان موضوع إجراءات قضائية أمام محكمة أمرت باعتقاله، وزارته أسرته بالسجن عدة مرات في انتظار محاكمته.وأنه كان تحت مسؤولية العدالة وان ترحيله من سجن جيجل الذي كان معتقلا به رسميا نحو سجن قسنطينة لم يتم أبدا، وبالتالي فالعدالة تتقاسم مسؤولية اختفائه مع مصالح الدرك الوطني التي كانت تؤمن نقله.

و لا يمكن القبول بما جاء على لسان فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية و حماية حقوق الإنسان الذي ادعى "استحالة محاكمة موظفي الدولة المسؤولين عن الاختفاءات لصعوبة تحديد هوياتهم"، لأن المسؤولين في قضية اختفاء لخضر بوزنية معروفون" سواء تعلق الأمر بالسلطات القضائية لولاية جيجل أو رجال الدرك الوطني الذين رافقوا الضحية خلال ترحيله". كما لا يمكن القبول بـ "غياب الدولة" لأن المؤسسات الاستثنائية التي وضعت إثر الانقلاب العسكري في 11 يناير 1992، كانت تتحكم بشكل تام في العدالة الاستثنائية التي أنشأتها مصالح الأمن.

قرار اللجنة المعنية بحقوق الإنسان

استجابت اللجنة الأممية للشكوى التي رفعتها الكرامة نيابة عن أم الضحية واعترفت بمعاناتها ومعاناة بقية أفراد الأسرة التي دامت أكثر من عشرين سنة و لازالت. وقررت إدانة السلطات الجزائرية "لفشلها في واجبها المتمثل في حماية حياة لخضر بوزنية"وأشارت إلى أشكال التعذيب العنيفة التي تعرض لها الضحية خلال اعتقاله في السر، و " غياب تبريرات واضحة من قبل الدولة الطرف". واعتبرت أن تلك الأعمال تشكل انتهاكا للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأن القلق والأسى العميق الذي خلفه اختفاء الضحية لدى أقارب الضحية "يشكل أيضا تعذيبا لهم".

وأوضحت أن السلطات الجزائرية لم "تقدم أي تفسير لمآل لخضر بوزنية، رغم مساعي الأسرة العديدة. وخلصت اللجنة إلى أن الضحية لم يوضع تحت حماية القانون، و "حرم من حقه في الاعتراف بشخصيته القانونية" في انتهاك واضح للمادة 16 من العهد

وانتقدت اللجنة أيضا كون الدولة الطرف لم تفتح تحقيقا لتسليط الضوء على مصير النائب المنتخب، كما طالبت بذلك أسرته، وذكرت بأن "الدولة ليست مسؤولة فقط عن القيام بتحقيقات معمقة في انتهاكات حقوق الإنسان التي تتوصل بها السلطات، وبشكل خاص عندما يتعلق الأمر باختفاء قسري، وبالمساس في الحق في الحياة، وأيضا متابعة كل المتورطين في هذه الانتهاكات ، وإحالتهم على العدالة وإصدار أحكام في حقهم.

وطالبت اللجنة من السلطات الجزائرية فتح تحقيق معمق في اختفاء لخضر بوزنية والإفراج عنه، وفي حالة وفاته تسليم رفاته إلى أقاربه. وألحت مرة أخرى على واجب الجزائر في متابعة ومحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن اختفاء نائب الجبهة الإسلامية للإنقاذ

ترحب الكرامة التي تنوب عن عائلة لخضر أمام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بهذا القرار الجديد، وتنادي السلطات الجزائرية بتفعيله طبقا لالتزاماتها الدولية، والعمل على إظهار الحقيقة ورد الحق للضحايا وإنهاء "ميثاق الإفلات من العقاب الذي يحمي إلى اليوم المسؤولين عن الجرائم"

أمهلت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان سلطات الجزائر ستة أشهر لإخطارها بالإجراءات التي اتخذتها لتفعيل قرارها هذا، الذي ستنشره في تقريرها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك خلال دورتها القادمة.

وستولي الكرامة أهمية بالغة لهذه القضية بمتابعتها عن كثب لتفعيل هذا القرار، في إطار إجراءات المتابعة التي وضعتها الهيئة الأممية بشأن الشكاوى الفردية، للتأكد من حصول الضحايا على حقوقهم واستعادتهم لكرامتهم.

 

لمزيد من المعلومات،

الرجاء الاتصال بالفريق الإعلامي عبر البريد الإلكتروني media@alkarama.org

أو الاتصال مباشرة على الرقم 0041227341007 ـ تحويلة 810