تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
حضر ممثلون عن الكرامة أشغال لجنة مناهضة التعذيب المخصصة للنظر في التقرير الدوري الجزائري أيام 2 و5 أيار / مايو 2008، وكانت منظمة الكرامة قدمت قبل بضعة أسابيع تقريرا موازيا إلى هذه اللجنة.

ويأتي الاستعراض الذي أجرته لجنة مناهضة التعذيب عقب استعراض لجنة حقوق الإنسان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2007. وفي هذه المناسبة تم تسجيل العديد من الانتهاكات لمبادئ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بحيث تركزت الانشغالات بوجه خاص على وجود مراكز اعتقال سرية لا تخضع لسيطرة السلطات المدنية وكذلك على إفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب.

عندما يتم التهجم على المدافعين عن حقوق الإنسان

و استباقا للأسئلة الحرجة لخبراء لجنة مناهضه التعذيب، بادر رئيس الوفد الرسمي الجزائري، السيد إدريس الجزائري، باستعراض هذه النقاط الملموسة منذ الوهلة الأولى في كلمته التمهيدية مدعيا أن "مراكز الاعتقال السرية المزعومة لا توجد إلا في مخيلة أصحاب هذه الافتراءات (’ديعايات’)".

كما عاب السيد الجزائري على المدافعين عن حقوق الإنسان، سعيهم إلى "زرع الشكوك في أذهان العقول الغير مُطَّلِعَة" عبر "تلميحاتهم"، عندما يضعون المجرمين وقوى الأمن في سَلَّة واحدة. بل والأخطر من ذلك، فهو يتهمهم بأنًّهم قد وظًّفوا الإرهاب من خلال "سكوتهم وتَهَرُّبِهِم من المسؤوليَّة أحيانا" وتَحَمُّلِهم تبعا لذلك "مسؤوليَّة كبيرة فيما نَجَمَ من خَسَائِرَ في الأرواح البشريَّة".

غير أن خبراء لجنة مناهضة التعذيب لم يَنبَهِرُوا بالتهديدات التي تكاد تكون مكشوفة لممثل الوفد الجزائري. بل من المحتمل أن تكون مثل تلك التصريحات قد رسخت العديد من مخاوفهم كما أنَّ أسئلتهم جاءت موافقة بدقَّة لصلب الموضوع. ابتدءا من استفسارهم بشأن بعض المفاهيم التي اعتبروها غامضة. وفي هذا السياق، تساءل الرئيس المُقَرِّر، السيد غروسمان (الشيلي)، فيما إذا كان ما يعبَّرُ عنه ب "تهديد النظام العام" لتبرير الإبقاء على حالة الطوارئ، يتعلَّق بخَطَر حقيقي أم بمُجَرَّدِ تَخمِين ليس إلا. وفي ذات السياق، سجل أن أحكام مرسوم 30 أيلول / سبتمبر 1992 الخاصة بمكافحة التَّخريب والإرهاب تم إدماجها في قانون العقوبات لعام 1995. في حين أنَّه ينطوي على تعريف للإرهاب واسع جدا وغير دقيق بشكل كبير -حسب رأيه- وهو يمكن أن يشكل عائقا أمام احترام المعايير الصارمة للقانون الدولي.  

إفلات قوى الأمن من العقاب في صميم النقاش

و ذَكَّرَ السيد غروسمان بانشغال اللجنة فيما يتعلق بالعفو الممنوح لعناصر قوات الأمن وبعض أفراد الجماعات المسلحة على حد سواء. وبخصوص هذه الفئة من الأشخاص، طالبت السيدة غاير

(الولايات المتحدة) السلطات المعنية بتقديم معلومات إضافية تخص التحقيقات والعقوبات الصادرة في حق من أدينوا بارتكاب الاغتصاب على سبيل المثال ولم يعفى عنهم بموجب هذا القانون.

وعلى غرار الكثير من زملاءه، سَجَّلَ رئيسُ لجنة مناهضة التعذيب أنَّ المادَّة 45 من المرسوم القاضي بتطبيق الميثاق من أجل السِّلم والمصالحة الوطنيَّة لا تنصُّ على إجراءات قانونية ضد عناصر مصالح الأمن الذين ارتكبوا جرائم. ولاحظ أيضا أنَّ نصَّ القانون لا يحدِّدُ المُهلَة الزَّمنيَّة لتطبيق هذه الأحكام وبالتالي فليس من الواضح إن كانت ذات أَثَرٍ رَجعِي أم صَالِحَةً للحاضر وللمستقبل. كما ذَكَّرَ بأنَّ المعايير الدولية تحظُرُ إسقاط التهم بالتَّقَادُمِ كما تمنعُ العفو بالنسبة للجرائم الدولية مثل الإبادة الجماعية والتعذيب.

وحاول السَّيِّد الجزائري جاهدا أن يشرحَ لفريق الخبراء أن الدَّولة لا تستطيع متابعة الجنود الَّذين شاركوا في عمليَّات عسكريَّة. فماذا عن أفراد الشرطة والدرك وأفراد جماعات الدِّفَاعِ الذَّاتِي وغيرهم من عناصر دائرة الاستعلامات والأمن الذين أَوقَفُوا واختَطَفُوا وقَامُوا بعمليَّات إخفاء قسري وارتكبوا عمليات اغتصاب وتعذيب وقتلوا آلاف الأشخاص خارج إطار القضاء؟ يرى السَّيِّد الجزائري إِذًا أنَّ هذه الفئات من أعوان الدَّولة معرَّضة للملاحقة القضائية على ارتكابها هذه الجرائم وهي مستثناة تبعا لذلك من أحكام العفو.

وفي رده على انتقادات الخبراء فيما يخص أحكام المادة 46 من نفس المرسوم الذي يعاقب على نشر كل رواية "غير مرخص بها" للأحداث التي أَدمَت الجزائر، لم يَترُك السَّيِّد الجزائري أدنى شَكٍّ حول طبيعة هذا الإجراء الَّذي شَبَّهَهَ بإجراءات "مماثلة كتلك الَّتي تعاقب نظريَّة مراجعة المحرقة" في أوروبا. يُكتَبُ تاريخ الجزائر المعاصر إذًا تحت سيف عقوبة السجن لكل المعاندين؟  

واعتبارًا أنَّ رفضَ الإفلاتِ من العقاب يشكل أفضل تربية على احترام حقوق الإنسان، طلب السََّيِّد غروسمان من الوفد الجزائري تقديم توضيحات عدَّة بشأن برامج تكوين أعوان الدَّولة وخاصَّة عناصِرَ مصالِحِ الاستعلامات (دائرة الاستعلامات والأمن)، حول صلاحيَّات أعوان هذه الأخيرة، وأماكن الاعتقال التي تخضع لسيطرتهم، وشكاوى التعذيب المقدَّمة ضدهم ومتابعتها وحول التَّدابير التَّأديبيَّة لمعاقبة التَّجاوُزَات.

أليس من الضروري أوَّلا معرفَةُ أسماءِ هؤلاءِ الأعوان ورُتَبِهِم والمسؤوليَّاتِ الَّتي يتولّونها للتَّمكُّن من تقديم شكوى ضدهم. وهو الأمر الَّذي دَفَعَ السَّيِّد مارينيو (إسبانيا) إلى التَّساؤل بدوره -وهو محق في ذلك- ألا يُؤَدِّي بقاء هؤلاء الأعوان مجهولي الهوية إلى ذوبانهم داخل كُتلَةِ الأمن العسكري. وهو عين الواقع فالكثير من محاضر التحقيق لا تتضمَّنُ فعلا  سوى أسماءَ الأعوانِ دون ألقابِهِم ودون بيانِ هُويَّّتِهِم الكاملة.

ثم إنَّه من المفروض أوَّلا إبلاغُ الضَّحيَّةِ بحقِّها في التَّقاضي وتقديمِ الشّكوى حتَّى تَتَمكَّن من استعمال هذا الحق، فهل تَتِمُّ الأُمور هكذا في الجزائر؟ وبصورة ملموسة، طلب السيد مارينيو توضيحاتٍ بشأن قضيَّة منير حموش، الذي توفِّي تحت التَّعذيب خلال فترة الحجز التحفظي في مقرات دائرة الاستعلامات والأمن في شهر كانون الأول / ديسمبر 2006. ولم تحصل أسرته إلى غاية هذه الساعة على تقرير التَّشريح الطِّبِّي.

وفي هذا السياق ُتطرح قضيَّةُ صلاحيَّات السُّلطةِ القضائيَّةِ على مختلف الأجهزة، لاسيما دائرة الاستعلامات والأمن: هل توجد سِجِلاَّتٌ لتدوينِ حالاتِ الاعتقال؟ وهل بإمكان القضاةِ التَّدخُّلُ في حال الاشتباه بوقوع التعذيب أو الاختفاء؟ وهل تُقصَى الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب من الإجراءات؟

و لم يقدم رئيس الوفد الجزائري أيَّة توضيحات بخصوص دائرة الاستعلامات والأمن، بحيث امتنع حتى من مجرد ذكر اسمها، معتبرا أنها " مؤسَّسَةٌ جمهورية"، و "كلُّ من يينتقدها فهو يهاجم الجمهوريَّةَ الجزائريَّة".

عندما تُوصَفُ حالاتُ الاختفاء القسري "بالجرائم ضد الإنسانيَّة".

أعرب عدد كبير من أعضاء الهيئة الأممية، منهم السَّيِّدين كوفاليف (روسيا) وغروسمان (الشِّيلي)، عن بالغ استيائهم ورفضهم لطريقة معالجة قضيَّة المفقودين التي وصفوها بدون تردُّد بأنَّها "جريمةٌ ضدَّ الإنسانية". و أشار السَّيِّد الجزائري في ردِّه أنَّ رئيس الجمهورية اعترف "بالمسؤوليَّة المدنيَّة للدَّولة" في هذا الملف. لكنَّ المعضلة تكمُنُ من وجهة نَظَرِه في أنَّه: "إذا نُجَرِّمُهُم (قوَّات الأمن) اليوم، فمن ذا الذي سيحمي الوطن غَدًا إذا تعرَّض للخطر". وهو ما يفسِّر إذًا ضرورة إصدار العفو، الَّذي يرفض السَّفير الجزائري الإقرار به في خصوص المادَّة 45 الشَّهيرة من المرسوم المذكور أعلاه. وحسب ما صرَّح به فإنَّ المادَّة 45 "تحمي (...) قوَّات الأمن من المتابعات القضائية وليس من جرائم الحق العام المرتكبة بصفة فردية". وهو المنطقُ الَّذي جاءت في إطاره محاكمةُ 32 من أعوان الدَّولة الََّذين ذكرَهم الوفدُ والَّذين يبدوا أنَّهُم حوكموا بتُهمةُ التَّعذيب طيلة الفترة الممتدَّة من سنة 1999 إلى الآن بصفة أنَّهم ارتكبوا إذًا بصفة فرديَّة جرائم حقّ عام.

ومن جهة أخرى اعتبر الخبراء أنَّ اشتراط تقديم الدَّليل على وفاة شخص مفقود للحصول على الاعتراف بالاختفاء يُعَدُّ حِملا ثقيلاً ليس بوسع الأسر تحمُّله. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ اشتراط إعلان الوفاة من قبل الأسرة، لتمكينها من الحصول على حق التَّعويض يتنافى مع المعايير الدُّوليَّة. وطلبت لجنة مناهضة التعذيب، مثلما فعلت لجنة حقوق الإنسان من قبل، بأن يتمَّ نشر قوائم الأشخاص المفقودين. وهنا أيضا حاول السَّيِّد الجزائري تبرير حجبِ القوائم بحُجَّةِ أنَّ عدم نشرها علنا هو من باب اللياقة واحترام العائلات. وأضاف، أمام ذهول الحاضرين، أنَّ ذلك يُعَدُّ بمثابة نشر قائمة الأشخاص المُطَلَّقين، وهو ما يُشَكِّلُ في رأيه انتهاكا لحرمة الحياة الخاصة، قبل أن يتساءل "من ذا الذي يريد إثارة احتجاجات كتلك التي نتجت عن نشر قوائم دافعي الضرائب في ايطاليا"؟

لا وجود لدولة القانون في ظِلِّ حالة الطَّوارئ

ركَّزَ العديد من الخبراء، بدءًا بالسَّيِّدة بلمير (المغرب)، المقررة الثَّانية للَّجنة، على تواصُلِ العملِ بنظام حالة الطَّوارئ وتعرَّضوا للكثير من التَّداعيات النَّاجمة عنها: تعزيز مفرط للسُّلطة التَّنفيذيَّة، واشتغال القضاء العسكري في ظلِّ إطارٍ استثنائي، وضعٌ مغايرٌ للوضع لدولةِ القانون وتقييد شديدٌ للحرِّيَّات الفرديَّة. ولاحظ السَّيِّد غاي ( السنغال) من جهته أنَّ هذه الوضعيَّة تفتح الباب واسعا أمام شتَّى أنواع التَّجاوزات متسائلا: "متى تأتي نهاية حالة الطوارئ؟" فكان رد السَّيِّد الجزائري على هذا السؤال بالتَّجاهل، معتبرا أنَّ "حالة الطوارئ ما هي إلا استمرار لدولة القانون في ظروف استثنائية". ويفسِّر ذلك بقوله "أنَّه طالما استمرَّ الإرهاب، حتى في شكل بقايا عَرَضِيَّة، يجب الحفاظ على حالة الطوارئ". ثمَّ راح الجزائري يصبُّ جام غضبه على السَّيِّدة بلمير شخصيًّا، مما أثار حفيظة واستهجان الجميع وخاصّة السَّيِّد الرَّئيس غروسمان الذي بادر بالإشادة بكفاءة ونزاهة زميلته وإعرابه عن ثقته التامة فبها.  

وذكّر العديد من الخبراء، منهم السيدة غايير، أنَّ الجزائر الَّتي تُصِرُّ على رغبتها في التَّعاون مع آليَّات الأمم المتَّحدة قد رفضت حتَّى الآن طلبات الزِّيارة التي تقدَّم بها المقرِّرون الخاصُّون المعنيُّون بقضايا التَّعذيب، والاختفاء القسري والإعدام خارج القضاء. وطالب الخبراء من السلطات الجزائرية بإلحاح شديد أن تلتزم بطريقة أكثر عمليَّّة فيما يتعلّقَُ بهذه المسألة.

وفيما يخصُّ هذه القضية، لم يفلح السَّفير الجزائري مرَّة أخرى في إقناع الخبراء الأُمَمِيِّين زاعمًا أنَّ المقرِّرين الخاصِّين "لم يوّضحوا هدف هذه الزِّيارات" وأنَّه لم يفهم لماذا يريد المقرِّرُ الخاص المعني بالتعذيب القدوم إلى الجزائر.

وقد أجمع الخبراء حول موقف السيد شيريبوغا (إكوادور) الَّذي تأسَّف على استمرار حالة الطوارئ وطلب توضيحات بشأن مدَّتها، وأعرب عن قلقه إزاء إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب،  وأوصى بمحاكمتهم، معلنا أنَّه لا مصالحة وطنيَّة دون تسوية مشكلة الإفلات من العقاب.

ولدى أخذه الكلمة في ختام الجلسة الأولى، أعرب السيد الجزائري عن اندهاشه ورفضه محتوى ما دار في الجلسة، ملمِّحا إلى عدم موضوعيَّة الخبراء و "الأفكارال مسبَّقة" الَّتي تُحَرِّكُهم. ثم اختتم رئيس الوفد الجزائري كلمته بقوله إنَّه تساءل وهو يستمع إلى أسئلتهم ( الخبراء الأممين) إن كانوا حقًّا يتحدَّثون عن الجزائر، ليضيف « كان لدينا انطباع وكأنَّكم تتحدَّثون عن دكتاتورية". وهو لم يَعلَم أنَّهُ أحسَنَ القول...