تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
راسلت الكرامة يوم 19 آب/أغسطس 2008 المقرر الخاص الأممي المعني بالإعدام خارج نطاق القضاء، بشأن خطر التنفيذ الوشيك لحكم الإعدام على مواطنين سعوديين ثلاثة، يوجدون حاليا رهن الاعتقال في سجن الجوف بمحافظة القريات.

وقد ألقي القبض على المتهمين الثلاثة، وهم على التوالي محمد عيسى القديحي ( 26 عاما) وقاسم بن رضا بن سليمان المهدي (24 عاما) وعلي حسن عيسى البوري ( 26 عاما)،  في 25 تموز / يوليو 2004 بمركز "الحديثة" الحدودي على طريق عودتهم بَرَّا من سورية عبر  الأردن. وتم العثور بداخل الحافلة التي كانوا يستقلونها رفقة عدد آخر من الركاب على خمسة كيلوغرامات من مادة الحشيش المخدِّرة.

وقد نفى جميع المتهمين أمام المحكمة أن يكونوا تجار مخدرات أو حتى من المستهلكين لهذه المادة. وأوضحوا خلال الجلسة الأولى من المحاكمة التي جرت في 26 ابريل / نيسان 2006 بأن التصريحات التي أدلوا بها واعترفوا من خلالها بالوقائع الموجهة إليهم قد انتزعت منهم تحت التعذيب والإكراه. كما يتضح من المحاكمة نفسها أن الوقائع المنسوبة إليهم لا تستند إلى أدلة ثابتة وان هذا القرار الصادر ضدهم من قبل المحكمة لا يستند إلا على أساس الاعترافات المنتزعة منهم تحت الإكراه أثناء الاستجوابات.

ورغم ذلك رفضت المحكمة إجراء تحقيق في ادعاءات التعذيب، مكتفية بنقل التصريحات التي أدلى بها المتهمون أثناء جلسات المحاكمة، في محاضر الحكم وبشكل مقتضب. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، على سبيل المثال، انه عندما صرح السيد القديحي أنه اعترف بالوقائع المنسوبة إليه تحت الإكراه، طلب منه القاضي بان يقدِّم البَيِّنَة على ما يدَّعيه!

وبالإضافة إلى ذلك، لم ُتتَح أمام المتهمين الذين تم اعتقالهم سريا في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، فرصة الحصول على مساعدة محامين في أي مرحلة من مراحل الإجراءات الجنائية.

و في هذه الظروف، وفي أعقاب ثلاث جلسات استماع متسرعة، صدر حكم أول في حق المتهمين  يوم 26 ابريل / نيسان 2006 وحُكِم بمقتضاه بالإعدام على كل من خالد القديحي وقاسم المهدي، فيما ُحِكم بعقوبة 20 سنة سجن نافذة و4000 جلدة على علي حسن البوري.

وقد ألغت محكمة التمييز في الرياض، التي رفع إليها المتهمون  قضيتهم في 02 كانون الأول / ديسمبر 2006 ( 11/11/1427هـ)، الحكم الأول على أساس أن "ما حُكِمَ به على المدَّعى عليه الأوَّل والثَّاني بالتَّعزيرِ بالقتلِ مَحَلُّ نظر وذلك لقلَّةِ ضعف الكمِّيَّةِ المهرَّبة ولعَدَمِ ثُبوتِ سوابِقَ مماثلة للمدَّعى عليهما" ولم تشر هذه الهيئة إلى موضوع عدم توفر الضمانات الازمة الواجب منحها للمتهم بحيث يحظى بمحاكمة عادلة أمام محكمة ابتدائية، لكنها مع ذلك أوصت (أي محكمة التمييز بالرياض) بإصدار حكم أدنى من عقوبة الإعدام "فنرى التَّعزيرَ بما دون القتل" كما ورد في قرار قضاة التَّمييز وأحالت القضية إلى المحكمة الأولى بنفس تركيبتها.

وبموجب قرار صادر بتاريخ 03 أيار / مايو 2007 (15/04/1428 هـ) رفض نفس القضاة الذين أصدروا الحكم الأول على المتهمين الثلاثة القرارَ الصادرَ عن محكمة الاستئناف، وأيَّدوا الحُكْمَيْنِ بالإعدام على المتَّهَمَيْنِ الإثنين ورفعِ عقوبة 20 سنة سجنا في حق المتَّهم الثَّالث علي حسن البوري إلى الحكم بالإعدام.

وفيما يتعلق بحجَّة "عدم وجود سوابق" قضائية، أوضح هؤلاء القضاة أنهم يستندون على "التعليمات لم تشترط وجود سوابق  في هذه العقوبة" لتبرير إصدار حكم الإعدام.

وبذلك تكون نفس المحكمة، وبنفس  تشكيلتها الأولى، قد أصدرت ثلاثة أحكام بالإعدام، بما يخالف قرارَ محكمةِ الاستئناف وفي تناقض مع قرارها الصادر أول مرة في ما تعلّق بالمتهم الثالث.

وبناء عليه، فعقوبة الإعدام هي الآن حكم واجب النفاذ وتقع مسؤولية تنفيذه على وزارة الداخلية، التي تحدد جدولا زمنيا لتنفيذ عمليات الإعدام، وبدون أن تُبلغَ السجناء أو أقاربهم تاريخ التنفيذ.

ومما لا شك فيه أن محاكمة المتهمين الثلاثة لم تكن عادلة ولم يحصلوا على الضمانات الممنوحة للأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام، إذ لم يُمَكَّن المتَّهمون من حقِّهم في الحصول على مساعدة قانونيه مناسبة خلال جميع المراحل الإجرائية، ولم ُيحتَرم مبدأ دَرَجَتَيْ المقاضاة نظرا لعدم أخذ المحكمة الابتدائية في اعتبارها قرار محكمة الاستئناف وأخيرا، فإن محكمة الاستئناف أحالت القضية نفسها من جديد أمام نفس المحكمة التي تتألف من نفس قضاة.

وقد أصدرت المملكة العربية السعودية عشرات الأحكام بالإعدام، في محاكمات موجزة وجائرة وبما يناقض القوانين الداخلية الخاصة بها.