تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

"إذا لم تتوخّ الحذر ستجعلك الصحف تكره المضطهَدين وتحب الذين مضطهِديهم." مالكولم إكس، خطاب ألقاه في 13 ديسمبر 1964 في قاعة أودوبون في هارلم، نيويورك.

 

1. مقدّمة

في كتابه بعنوان "من هم هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم قادة للحراك الجزائري؟" يصف أحمد بن سعادة الكرامة على أنها "منظمة غير حكومية droit-de-l’hommiste تأسّست في سويسرا"[i]. إنّ استخدامه لمصطلح "droit-de-l’hommiste"[ii]، الذي يمكن ترجمة معناه بـ"تتلبّس برداء الدفاع عن حقوق إنسان"، ليس من باب الصدفة كونه مشحونًا بدلالة سلبية تحقيرية.

ينمّ هذا المصطلح المستحدَث على ما يبدو – بوعي مه أو بغير وعي – إلى العداء الواضح الذي يكنّه المؤلف للمنظمة، وهو عداء لو لم يكن يندرج ضمن خطاب خطير على حقوق الإنسان، لما لفت انتباه الكرامة أصلًا. إنّ مصطلح "تتلبّس رداء الدفاع عن حقوق الإنسان" يشير أولًا إلى وجود تحيّز واضح. إذ يُعرَّف التحيّز على أنه حكمٌ أو رأيٌ مسبق تجاه مجموعة من الناس أو فئة اجتماعية معيّنة، ومن طبيعة الأشياء، فبمجرّد أن يتشكّل التحيّز، فإنه ينتشر خارج نطاق أيّ معرفة موضوعية، بل وحتى دون أيّ اتصال، بين صاحب التحيّز والطرف المستهدَف.[iii] وعلى هذا الأساس نجد أنّ التحيّزات تستند إلى مبالغة خاطئة ومتشنّجة، يمكن تعريفها بكلّ بساطة كما لخّصها أحد المنظرين لهذا الموضوع باعتبارها "التفكير بشكل سلبي في الغير، دون سبب وجيه".[iv]

وقد انتهج المؤلف هذه المقاربة تحديدًا في كتيّبه عندما وصف مستهدفيه بـ"القادة الذين نصبوا أنفسهم" والذين يسعى جاهدًا إلى شملهم في النظريات التي يبنيها ويزعم فيها أنّ هؤلاء الأشخاص يضمرون شرًا لبلدهم، دون أن يقدّم أيّ دليل يعزّز به ما يدّعيه. يستند كتيب أحمد بن سعادة إلى جملة من التحيّزات ولا يقوم على أيّ بحث شامل ودقيق من شأنه أن يعطي القارئ صورة وفية قدر الإمكان للواقع – وهو أسمى هدف يتوخّاه أيّ باحث نزيه. لم يكلّف أحمد بن سعادة أبدًا نفسه الاتصال بالكرامة حرصًا منه على الحياد في تناوله للموضوع، رغم أنّ مقدّمة الكتاب تعرّف عمله على أنه "تحقيق"، بينما لا يعدو كونه لائحة اتهام حقيقية صادرة عن محاكمة غيابية وجائرة ضد أشخاص ومنظمات، لم تُمنح لهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، بحيث تجعل المرء يتساءل عن دوافع "المحقق" أحمد بن سعادة ويحاول فكّ شفرة المقصود من كتيبه. من نافلة القول أنّ موقفه يندرج في سياق مناهض لمطالب الحراك من عدالة مستقلة وأولوية سيادة القانون، التي من أهم مبادئها افتراض البراءة ابتداءً.

بهذه المناسبة يمنحنا مؤلف الكتيّب الفرصة للرد على مغالطاته من خلال تفكيك خطابه وإبراز الخطر الذي يمثّله مثل هذا الخطاب على حقوق الإنسان، ويسمح لنا أيضًا بالتوجّه إلى الشعب الجزائري وشبابه للتذكير بأنّ أوّل حق مدني يجب تنفيذه هو حقّ شعبنا في تقرير مصيره أخيرًا بعد ما يقرب من ستين عامًا من تحرير أرضه.

وتحقيقا لهذا الغرض سنقدّم إجابتنا على أربع مراحل: يتعلّق الأمر أوّلا بالإجابة على سؤال أحمد بن سعادة الذي لم يجد له جوابًا بعدُ "من هي منظمة الكرامة؟ " (الفصل 2)؛ وبعد توضيح مَن هي الكرامة سنشرح ما ليست هي الكرامة، أيْ ما يُلصق بها ظلمـًا وافتراءً (الفصل 3)؛ وبعد ذلك نردّ مباشرة على الاتهامات التي وجّهها المؤلّف من خلال شرح نشأة هذه الاتهامات وتفكيكها واحدة تِلو الأخرى (الفصل 4). بالإضافة إلى ذلك، يبدو لنا أنه من الضروري تجاوز محيط كتاب أحمد بن سعادة لتفكيك خطابٍ أشمل، راسخ وقديم، يستخدمه الأيديولوجيون الشعبويون والأنظمة الشمولية، وهو خطاب يقوم على التشهير العلني بالمدافعين عن حقوق الإنسان (الفصل 5). وبصفتنا منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان تجعل من أهدافها الأساسية توعية المواطنين بخصوص احترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية، سنشرح سبب خطورة مثل هذه الخطابات المشحونة (الفصل 6) وكيفية مواجهتها من أجل حماية حقوقنا وحرياتنا الأساسية (الفصل 7). ومن الضروري أيضًا أن يفهم الحراك، كحركة شعبية، أنّ نضاله السلمي ومطالبه ليست شرعية فحسب بل تشكّل حقوقًا يحميها الدستور والاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر.

2. لكن من تكون منظمة الكرامة؟

الكرامة "منظمة تتلبس برداء الدفاع عن حقوق الإنسان"؟ هذا المصطلح (droit-de-l’hommiste ) الذي تحوّل في الخطاب المعاصر إلى مصطلح مستحدَث تحقيري[v] ابتكره آلان بيليه (Alain Pellet)، أستاذ القانون الدولي في جامعة نانتير (Nanterre) بفرنسا، دون أن يكون في نيّته في الأصل مطلقًا إعطاءه معنًى سلبيًا يقلّل من شأن حقوق الإنسان. كان هذا المصطلح في منظوره يُستخدم فقط لوصف "الحالة الذهنية لمناضلي حقوق الإنسان الذين أكِنّ لهم، حسب قوله، تقدير كبير مع التحذير في والوقت نفسه من الخلط بين الأنواع: بين القانون من جهة وأيديولوجية حقوق الإنسان من جهة أخرى".[vi]

لكن اليوم أصبح هذا المصطلح يجمع لوحدِهِ كل الانتقادات – سواء المؤسَّسة أو غير المؤسَّسة – الموجّهة إلى خطابات وحركات حقوق الإنسان. وفي الحالة هذه فإنّ أحمد بن سعادة يشير على ما يبدو إلى أنّ الكرامة تستخدم خطاب حقوق الإنسان لأغراض أخرى، وهي تهمة لم يكن مؤلف الكتاب أوّل من وجهها إلى الكرامة وليس الأخير، في ظلّ المناخ الدولي المتردي في مجال احترام المبادئ الأساسية لكرامة الإنسان، لذا يبدو لنا من الضروري الإجابة عن السؤال الذي يطرحه المؤلف دون أن يجيب عنه بنفسه "ولكن من تكون منظمة الكرامة؟"، ونؤكد من جانبنا أنّ الأمر لا يتعلّق فقط بالدفاع عن المنظمة وإنما الدفاع قبل كل شيء عن الفلسفة الكامنة وراء الدفاع عن حقوق الإنسان، أي الدفاع عن احترام كرامة كل إنسان دون تمييز من أيّ نوع كان.

من جهة أخرى، سنبيّن أنّ اتهامات الكاتب بشأن "تمويل الإرهاب" هي في الحقيقة وجهٌ من أوجه الانتقام ضد المنظمة. لقد جرت العادة أن توّجِه الدول الاستبدادية و/ أو تلك التي تنتهك حقوق الإنسان تهمة الإرهاب إلى كل من يندّد بانتهاكاتها، بغية التشهير والتشنيع بها للتشكيك في مصداقية أيّ نقد مشروع لممارساتها وتسهيل عمليات قمعها.[1]

1.2. فلسفة الكرامة: حقوق الإنسان للدفاع عن كرامة الجميع

وُلدت الكرامة من رحِم قناعة راسخة بأنّ توثيق انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة والمنتظمة في العالم العربي وإحالتها إلى آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من شأنه أن يحدّ من انتشار رقعتها عن طريق فضح مرتكبيها والآمرين بها. إنّ اللجوء إلى الآليات شبه القضائية للأمم المتحدة قد يعوّض، إلى حدّ ما، عن غياب سيادة القانون في دول المنطقة.

وفق هذه القناعة، تقوم فلسفة المنظمة على وضع القانون الدولي لحقوق الإنسان وآلياته في خدمة ضحايا الانتهاكات حتى يمكن التعريف بقضاياهم وفكّ الطوق عليهم وكسر جدار الصمت المفروض عليهم. ثم لا يجب أن ننسى أنه لا بدّ من التذكير بأنّ القانون الدولي ليس قانونًا أجنبيًا: إنه جزء كامل من قانون كلّ دولة اعتمدته وتفاوضت مطوّلًا بشأنه عبر توقيعها على المعاهدات التي التزمت باحترامها. سنعود إلى هذه النقطة في الجزء الثاني للردّ على الاتهامات التي غالبًا ما توجّه، سواء في الجزائر أو في أيّ مكان آخر، إلى الذين يلجؤون إلى القانون الدولي وآلياته للدفاع عن مواطنيهم ضدّ الظلم.

بالنسبة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من الضروري جدًا الاستماع إليهم وأخذ في الاعتبار قضاياهم. وهذا الاعتبار والعناية بقضاياهم لهما تأثير أكبر لمّا تصدر عن خبراء مستقلّين من الأمم المتحدة. وهذا يعني على أقل تقدير اعترافًا دوليًا بوضعهم كضحايا وما يتمخّض عن ذلك من حقوق طبيعية: الاعتراف بهم كضحايا، حقّهم في التعويض وجبر الضرر، والمحاكمة الجنائية للجناة ومعاقبتهم. هذا الاعتراف لا يسهم في إعادة الاعتبار للضحية وفي كرامته فحسب بل يشكّل أيضًا شكلًا ناشئًا من مسؤولية الجناة. ومنذ إنشاء الكرامة لجأ آلاف الضحايا من الرجال والنساء والأطفال ومن مختلف الأديان والتوجهات السياسية، يطلبون المساعدة القانونية من الكرامة والاستفادة من خبرتنا في جميع دول جامعة الدول العربية وحتى خارجها. كانت الكرامة على سبيل المثال الوحيدة التي قدّمت شكاوى إلى الأمم المتحدة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في قضايا الاختفاء القسري لمواطنين عراقيين بعد غزو عام 2003.[vii]

إلى جانب الشكاوى الفردية تسمح لنا فرصة مراجعات هيئات معاهدات الأمم المتحدة وكذلك المراجعات الشاملة الدورية لمجلس حقوق الإنسان تسليط الضوء على الأسباب الهيكلية للانتهاكات التي نوّثّقها. في غياب أيّ شرعية ديمقراطية تعتمد أنظمة العالم العربي على الخوف الذي ترعب به شعوبها لضمان استقرارها وأمنها، ومن ثمّ ليس من المستغرَب أن تُصدر هذه الدول قوانين تعتبر بموجبها أيّ تعبير منتقِد حرّ تهجّمـًا على استقرار الدولة وأمنها، أو حتى شكلًا من أشكال الإرهاب. وتُنفّذ هذه القوانين الجائرة من قِبل جهاز قمعي يلجأ إلى العنف والتعسّف في ظلّ مناخ يضمن لأصحابه الإفلات التام من العقاب، ممـّا يؤكّد موافقة أعلى المستويات في الدولة على هذه الانتهاكات. وبفضل حضور هذه المراجعات يمكننا تسليط الضوء على هذه القوانين والممارسات والتصدّي لها ليواجه ممثلو هذه الدول المسؤولية على ما يرتكبونه من انتهاكات، على الأقلّ أمام خبراء الأمم المتحدة، الأمر الذي مكّن الخبراء القانونيون للمنظمة من إصدار عدة مئات من التقارير والمذكرات تخصّ كلّ دولة عربية، بالإضافة إلى دول أخرى بما في ذلك الولايات المتحدة.

أخيرًا، لتعميم عمل المنظمة نصدر بيانات تخصّ كل من الشكاوى الفردية والمراجعات الدورية لتوعية المجتمعات المدنية المحلية بفائدة مثل هذه الإجراءات. وقد قمنا بتدريب المدافعين عن حقوق الإنسان لكي يتمكّنوا من مواصلة عملنا القائم على مبدأ عدم التمييز في هذه المنطقة من العالم التي تعاني من الانقسامات العرقية واللغوية والدينية والسياسية التي أدت إلى استقطاب حتى داخل المجتمعات المدنية. وهذه المساهمة في حدّ ذاتها تدخل في إطار هذه العملية الرامية إلى رفع مستوى الوعي. من الضروري إذن تفكيك مثل هذه الخطابات على شاكلة خطب أحمد بن سعادة التي تعرّض الحريات الأساسية للخطر عن طريق مهاجمة الذين يستخدمون حقوقهم المشروعة أو يدافعون عنها.

2.2. العمل من أجل حقوق الإنسان

إنّ خبرة الكرامة في مجال القانون الدولي لحقوق الإنسان وآليات الأمم المتحدة معترفٌ بها اليوم من قِبل الأمم المتحدة نفسها التي لم تتردّد في دعم الكرامة في مواجهة ما تتعرّض له من هجمات منذ إنشائها.

نسجلّ بكل فخر أننا كنّا المبادرين في التحقيقَين الدوليَين المستقلَين الوحيدَين حول البلدان العربية اللذَين أجرتهما لجنة مناهضة التعذيب حول لبنان[viii] ومصر.[ix] وخلص التحقيقان الدوليان إلى أنّ التعذيب يُمارس بشكل منهجي في هذين البلدين ممـّا يفتح المجال أمام إمكانية اتخاذ إجراءات جنائية فردية ضد المسؤولين، بما في ذلك على أساس الاختصاص القضائي العالمي.[2]

تُضاف إلى هذه التحقيقات شكاوى سرّية ضدّ عدة دول في المنطقة ترتكب أبشع الفظائع بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لقمعهما المستمرّ للمعارضين السياسيين ورجال الدين والصحفيين والمحامين الذين يتعرّضون لأعمال عنف فظيعة يموت بعضهم أحيانًا تحت التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. وكانت الكرامة أيضًا وراء العديد من التحقيقات في آثار الهجمات الأمريكية في اليمن، البلد المدمّر أصلًا بسبب ما يعيشه من أزمة إنسانية غير مسبوقة. سمحت تقارير التحقيقات هذه المقدّمة إلى خبراء الأمم المتحدة المستقلين بإدانة المتسبّبين في العديد من وفيات الأبرياء جرّاء قصف الطائرات بدون طيار (درونز)[x] وكذلك آثارها المدمّرة على الحالة النفسية للسكان لاسيما النساء والأطفال الذين يعيشون في ظلّ خوف دائم من الضربات الجوية.[xi]

هذا إذن أوّل توضيح حول سؤال الكاتب "من تكون منظمة الكرامة؟". إنّها منظمة تشتغل بميزانية ووسائل محدودة لكن بفضل فرق وشبكات متطوّعة تشارك مبادئنا وتكافح ضد الظلم، حالة بحالة، شكوى بشكوى، تقريرًا بعد تقرير، حتى لو لم تبدُ آثار هذه الإجراءات على الفور وبشكل واضح، فإنها تشكّل بداية العدالة المتمثّلة في رفضها أن تمنح الأقوياء امتياز الإفلات من العقاب.

ما هي رؤيتنا؟ رؤية عالم عربي يمكن في كنفه للجميع المطالبة باحترام جميع حقوقهم دون الخشية على حياتهم أو حريتهم أو سلامتهم الجسدية. إنه عالم يضمن حماية فعلية لحقوق جميع الأشخاص الذين يعيشون تحت سلطة الدولة بموجب القانون وحيث يكون القادة مسؤولين أمام شعوبهم يحترمون القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. هذا ما نتمنّاه لكل بلد في المنطقة وخاصة للجزائر.

3. تفكيك الأحكام المسبقة حول أخلاقيات العمل المتّبعة من الكرامة

عندما يسأل صاحب الكتيّب عن سبب دفاع الكرامة عن كريم طابو[xii] دون سواه من الضحايا فإنه يجهل مبدأين أساسيين من مبادئ الدفاع القانوني وهما أنّ الضحية هي التي تتّصل بالمحامي وليس العكس، والسرّية في التعامل مع القضايا من جهة أخرى.

ثم يدّعي الكاتب أنّ المنظمة ليس أكثر من واجهة جمعوية لحركة رشاد.

إنّ سجلّ الكرامة واضحٌ ويبيّن بشكل لا يرقى إليه أدنى شك أنّ الضحايا الذين تدافع عنهم المنظمة ينتمون إلى جميع الفئات ومن كل المشارب؛ ثمّ إنّ الدفاع عن الضحايا يفترض أولًا وقبل كل شيء احترام مبادئ معيّنة تندرج ضمن "أخلاقيات" العمل، أو "الأخلاق" القانونية.

من ناحية أخرى، إذا كانت للكرامة ورشاد شخصيات مشترَكة في هياكلها فباستطاعة أيّ تحليل نزيه وموضوعي للوضع أن يُظهر أنهما منظمتان مختلفتان تمامًا تعملان لتحقيق أهداف مختلفة وضمن أطرٍ مختلفة.

1.3. أخلاقيات عمل المساعدة القانونية: ضمان الاستقلالية

تعمل الكرامة كمكتب محاماة يتولّى الدفاع عن قضايا الانتهاكات على المستوى الدولي مع فارق أنّ المساعدة القانونية تُقدّم مجانًا. وبهذه الصفة، يخضع محاموها لأخلاقيات العمل القانوني. إنّ الأخلاقيات القانونية تقتضي أن يمارس المحامي المدافع عن حقوق الإنسان ولايته بكرامة واستقلالية وعدم تمييز ونزاهة وعدالة. هذه المبادئ منصوصٌ عليها في ميثاق المنظمة الذي ينظّم عملها، وكان بإمكان الكاتب الاطلاع عليه للحصول على معلومات عن الكرامة ولا يكتفي بالمعلومات التي يستقيها من الصحف الأمريكية للمحافظين الجدد[xiii] أو من الصحف الإنجليزية المختصّة في نشر الإشاعات أو حتى الصحافة التابعة للدول الاستبدادية في منطقتنا ومنها الإمارات العربية المتحدة.[xiv]

من المهمّ أن نُذكِّر بالأخلاقيات التي توّجه عملنا. أولًا وقبل كل شيء الكرامة، أيْ الاحترام الذي يستحقه كل إنسان بالنظر إلى إنسانيته، هي التي توّجه الطريقة التي نتعامل بها مع ضحايا الانتهاكات الذين يطلبون مساعدتنا، ومن خلال احترام قواعد السرية وموافقة الضحايا في كل ما تتخذه المنظمة من إجراءات بعد اطلاعهم عليها. وليس من قبيل المصادفة أننا اخترنا "الكرامة" اسمًا لمنظمتنا. ومن صميم هذا المفهوم للكرامة ينبع مبدأ عدم تمييزنا ومعاملتنا المتساوية لجميع ضحايا الانتهاكات المعروضة علينا طالما أن هذه الانتهاكات تقع ضمن ولايتنا دون أي اعتبار آخر.

إن إتباع منهج يسمح بتقديم المساعدة لأيّ شخص يتّصل بنا دون تمييز يشترط بالضرورة توفّر الاستقلالية التي تتمسّك بها الكرامة وتحرص عليها. إنّ الاستقلالية تعني القدرة على التصرّف بحرية دون إكراه أو أمرٍ من أيّ هيئة سياسية أو أيديولوجية. ومن الناحية العملية لا تخضع إستراتيجية عمل الكرامة للضغوط السياسية أو الأيديولوجية أو المالية من أيّ جهة كانت.

تُـتّخذ الاختيارات الإستراتيجية من حيث أولويات ومحاور عملنا بعد تشاور فعّال ومفصّل مع طاقم العمل والهيئة الاستشارية ويتمّ على أساس دراسة موضوعية للوقائع والإشكاليات المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان في البلدان التي نغطّيها. وهذا يعني أيضًا، وقبل كل شيء، الرفض القاطع لأيّ تمويل يتضمّن شروطًا من شأنها أن تتعارض مع قيمنا أو مصالح الضحايا، وأيّ أموال صادرة عن حكومات أو هيئات ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو متورطة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في النزاعات في المنطقة.

أخيرًا، تمنحنا هذه الاستقلالية الإمكانية والمصداقية اللازمتين للتفاعل مع جميع أطراف المجتمع التي يتألف منها العالم العربي، وبذلك تفتخر الكرامة بما تحظى به من تأييد وسط كل هذه المجتمعات عبر الأطياف السياسية والطائفية المختلفة التي تقسم العالم العربي في العمق.

وبفضل هذا الاستقلالية والثقة تمكّنا من مساعدة ضحايا من مشارب وطوائف جدّ متنوعة على غرار رجال الدين الشيعة في المملكة العربية السعودية والبحرين، وشيوخ السنّة في المملكة العربية السعودية، وأقلّيات يهودية في اليمن بعد أن أُجبِروا على ترك أراضي أجدادهم، وعن مدافعين عن حقوق المرأة وليبراليين في السعودية، ونشطاء بيئيين في عُمان، وعائلات فلسطينية في الأراضي المحتلة ولاجئين، وسوريين من كل الأطياف، ونشطاء يساريين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر... أمّا في الجزائر فإنّ الأشخاص الذين يتّصلون بنا للمساعدة القانونية هم أولئك الذين نراهم يتظاهرون سلميًا كلّ يوم جمعة ويُعتقلون تعسفيًا، ومنذ بداية الحراك تولّى فريقنا ملفات ما لا يقلّ عن عشرين قضية عاجلة.

2.3. رشاد والكرامة: منظمتان مختلفتان مستقلتان عن بعضهما البعض

لا بدّ من التذكير بأنّ الكرامة منظمة تأسّست في سويسرا بموجب القانون السويسري، وأعضاؤها الجزائريون لا يشكّلون سوى جزءًا من الطاقم، وهي منظمة غير مرتبطة عضويًا بحركة رشاد. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ أحد أعضاء مجلسها (عباس عروة) وعضوين من الجهاز التنفيذي (مراد دهينة ورشيد مصلي) هم أيضًا أعضاء في رشاد، وقد تمّ تأطير هذه العلاقة وفق بنود ميثاق المنظمة[xv] الذي يفرض على وجه الخصوص أنّ "إستراتيجية الكرامة لا تخضع للضغوط السياسية أو الأيديولوجية أو المالية"، ويُذكِّر في الوقت نفسه أنّ "الالتزام بحقوق الإنسان يُنظر إليه أيضًا من زاوية معيّنة باعتباره التزام سياسي"، وبالتالي فإنّ ميثاق الكرامة لا يمنع  إمكانية أن يكون أعضاؤها ناشطين سياسيًا كما هو الحال مع أيّ منظمة غير حكومية، لكنه يشترط بأن يحترم هذا الالتزام حدودًا واضحة، لاسيما تلك المتعلّقة بالحفاظ على استقلالية وحيادية المنظمة لتتمكّن من التصرّف على النحو الأمثل لمصلحة الضحايا وقد احترم أعضاء الكرامة المنتمون إلى رشاد على الدوام هذه المبادئ.

من الواضح إذن أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال تحميل الكرامة مسؤولية أفعال رشاد والعكس صحيح. لكن التهجّم على الكرامة من بعض وسائل الإعلام والناشطين كان محاولة منهم لتشويه سمعة رشاد من خلال تقديم أحيانًا الكرامة على أنها "وكيل قطري" أو حتى كيان "إرهابي". وبلجوئهم إلى هذه الخديعة نفسها يأملون في عكس الأدوار وتشويه سمعة العمل القانوني المعترَف به للكرامة من خلال تقديمها على أنها بيدق للـ"أهداف السياسية" لرشاد. وهذه المساهمة تهدف تحديدًا التذكير بالحقائق والبيانات التي يمكن التحقّق منها حول سجل الكرامة وعملها وبالتالي تردّ على الاتهامات غير المؤسّسة الموجّهة ضدّها.

حتى قبل نشر كتيّب بن سعادة بفترة طويلة حاولت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تشويه سمعتنا إمّا بشكل مباشر أو من خلال مرتزقة الأقلام المحافظين الجدد وناشري كراهية الإسلام والصحفيين الباحثين عن "العناوين الصادمة"، خاصة في سويسرا، بنشر دعوى خرقاء تزعم أنّ ثمّة منظمة إرهابية خطيرة مدرجة في سجلّ المؤسسات ولها حق ولوج مقرّات الأمم المتحدة بجنيف. أمّا فيما يخصّنا فإننا نعتبر هذه الهجمات على منظمة صغيرة مكوّنة من عدد قليل من الحقوقيين بمثابة اعتراف ضمني بتأثير عملنا على أولئك الذين يرتكبون أبشع الفظائع في الجزائر وفي أماكن أخرى في العالم العربي.

 4. استخدام القذف ضد المدافعين عن حقوق الإنسان

منذ نشأتها لم تتوقف الهجمات على الكرامة وتعرّضها لسيل من التهم المتنوعة التي تمزج بين السخافة والضحالة. وكلها اتهامات تعكس في الواقع مدى انزعاج وقلق قادة الأنظمة العربية القمعية المعروفة بسجلّها الثقيل في مجال ارتكاب أبشع أنواع الجرائم بحقّ شعوبها، ويعود سبب التهم التي تتلقّاها الكرامة بالأساس إلى ما يقوم به فريقها من عمل وهي أيضا اتهامات ناتجة عن هاجس حقيقي إزاء كل ما له صلة بالإسلام، وهذا حتى عندما يطالب المسلمون بمجرّد حقوقهم المعترف بها عالميًا في الكرامة والحرية ويتمسّكون بها. ولا بدّ أن نقرأ أيضًا هذه التهم في سياق ما بعد 11 سبتمبر والسياسة الأمريكية المدعومة من الأنظمة العربية، وفي ضوء القمع الأعمى المسلّط على شعوب العديد من الدول الإسلامية التي لا تزال صورتها الأبرز تخلّدها صورة العراقيين في أبو غريب المعلقين من رقابهم بعد تعريتهم إمعانًا في إهانتهم.

من المهم بالنسبة لنا أن نوضّح نشأة هذه الاتهامات التي يذكرها أحمد بن سعادة باستخفاف دون أن يكلّف نفسه عناء التدقيق فيها عندما يكتفي بالقول "على الرغم من الاتهامات بتمويل الإرهاب الموجّهة إلى هذه المنظمة غير الحكومية" مضيفًا أنّ هذا "الموضوع لن يتمّ التعميق فيه هنا". فهو بذلك يجعل من نفسه ببساطة ناقل للاتهامات بـ"تمويل الإرهاب" دون بلورة الموضوع، وقد يعود ذلك لشعوره في قرارة نفسه أنّ هذه الاتهامات يصعب إسنادها بأدلة؟ علاوة على ذلك يضيف أنّ المنظمة مموّلة برأس مال قطري، وهنا أيضًا لا يقول لنا ما هو مصدر رأس المال الذي يشير إليه. وأخيرًا يشير إلى مراد دهينة باعتباره مديرها التنفيذي لفترة طويلة. ولهذه الأسباب مجتمعة، نرى من الضروري توضيح هذه النقاط الثلاثة تباعًا.

2.4. أيّ تمويل قطري؟

تتمسّك الكرامة بمبدأ أساسي تراه ضروريًا في تسيير عملها وهو عدم قبول مطلقًا الأموال من أيّ دولة في المنطقة للحفاظ على استقلالها. وبصفتها مؤسسة بموجب القانون السويسري فهي تخضع لرقابة صارمة من قِبل السلطة الفيدرالية التي تتحقق من مصادر تمويلها وكيفية إنفاقها. ويتمّ تمويل الكرامة بشكلٍ حصري من قِبل الأفراد الملتزمين بالدفاع عن كرامة الإنسان وعن حقوق المظلومين ومِن ثمّ فالزعم بأنّ الكرامة تموّل من قطر هو ببساطة افتراءٌ بحت. ولتتشكّل صورة في ذهن المرء على الشكل الذي تبدو عليه أيّ منظمة غير حكومية تموّلها إحدى الدول في المنطقة، يكفي أن يقوم بزيارة إلى جنيف لرؤية المكاتب الفاخرة والسائقين الخاصين الموضوعين في خدمة هؤلاء "المدافعين عن حقوق الإنسان"، ويكفيه الاستماع إلى خطاباتهم في قاعات الأمم المتحدة تمجيدًا وإطراءً لمموّليهم. إنّ عملية تمويل المنظمات غير الحكومية من قِبل بعض البلدان في جنيف تهدف في المقام الأوّل إلى إنشاء واجهات حقوقية "مستقلّة" مفبركة ينحصر دورها في إنكار انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها رُعاتها. بعبارة أخرى، هذه المنظمات ليست سوى الذراع الجمعوي لهذه الدول داخل أروقة الأمم المتحدة لحمايتها وفي الوقت نفسه لمهاجمة أعدائها، ومن بين هؤلاء "الأعداء" تتبوأ الكرامة مرتبة بارزة.

نجد الكثير من منظمات"GONGOS"  (مصطلح  مختصر، للتعبير عن "المنظمات غير الحكومية" الحكومية التي تموّلها الدول) في جنيف، ولمعرفة مَن هي هذه المنظمات الحكومية غير الحكومة وطبيعة عملها أو مهمتها، يكفي الاطلاع على تقاريرها على موقع المفوض السامي لحقوق الإنسان، ويمكننا أن نذكر على سبيل المثال تقرير "الاتحاد العربي لحقوق الإنسان"(ArabFHR)  أثناء مراجعة ملفّ دولة الإمارات العربية المتحدة من قِبل مجلس حقوق الإنسان في عام 2017، ثم مقارنة هذا النوع من التقارير مع تقارير المنظمات غير الحكومية المستقلة حقًا.[xvi] لن تجد في تقرير "ArabFHR" سوى أوصاف المدح والتبجيل لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي يبدو سجلّها ناصعًا وكأنّ هذا البلد ليس فيه شخص واحد معتقل بسبب مزاولة مهنته القانونية أو معارضته سلميًا أمراء هذا الدولة الاستبدادية. بلغ الأمر بهذه المنظمة من مجموعةGONGO  إلى حدّ إنكار وجود حالات اختفاء قسري في مصر في ظلّ نظام "المشير" السيسي رغم آلاف الحالات المسجّلة لدى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري، ثمّ يصرح مدير هذه المنظمة بلا خجل في وجه أُسَر الضحايا الشباب أنّ "حالات الاختفاء القسري في مصر مجرّد  أكاذيب من افتراء جماعات يقودها الإخوان المسلمون التي تستخدم آليات حقوق الإنسان سياسيًا." [xvii]

نذكر مثالًا نموذجيًا معبّـرًا آخر، "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" (GNRD)، الموظّفة لخدمة أجندة الإمارات العربية المتحدة والتي نشرت "فهرس لحقوق الإنسان" صنّفت فيه دون خجل دولها الراعية والأصدقاء على رأس القائمة، تتقدّم حتى على الديمقراطيات الغربية، في تعارض صارخ مع التقارير المثقلة بالانتهاكات الجسيمة الصادرة عن المنظمات غير الحكومية المستقلّة والأمم المتحدة.[xviii]

يكفي لأيّ باحث حسن النية ولوج موقع الكرامة أو القيام ببعض الأبحاث على موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ليجد أن الكرامة هي المنظمة الوحيدة التي تعمل بانتظام على قضايا حقوق الإنسان الخاصة بدولة قطر. وكانت تقاريرنا الموجهة إلى اللجان والخبراء المستقلين هي الأكثر انتقادًا لهذه الدولة الخليجية مع تسجيل ملاحظاتها باستمرار غياب حماية الحريات الأساسية وانتهاكات حقوق المحتجزين وحقوق العمال المهاجرين.[xix] هل هذا حقا ما يتوقعه المرء من منظمة ممولة من قطر؟ لقد قدمنا ​​تقارير وشكاوى فردية ضد كل دولة من دول المنطقة - بما في ذلك قطر - ولم نشيد أبدًا بأي دولة خليجية على براعتها المتوهمة في مجال حقوق الإنسان. في الواقع هذا النهج النقدي والحيادي هو الذي ألب علينا هذه الأطراف وسبب لنا عداء كل دول المنطقة ويفسر أيضا الهجمات المستمرة على الكرامة. هل هناك هجوم أكثر مكرا ونجاعة يوّجه إلى أي منظمة عربية اليوم من تهمة "الإرهاب"؟

2.4. أي تمويل للإرهاب؟

مواقف الكرامة كانت دائمـًا جدّ واضحة: يشكّل اللاعنف مبدأً أساسيًا في ميثاقها وأعربت المنظمة على الدوام عن إدانتها للإرهاب، أي رفضها لاستخدام الرعب والعنف لتحقيق أهداف سياسية. لكن ما نلاحظه في العالم العربي هو أنّ وصمة الإرهاب أصبحت السلاح المفضّل المستخدَم من طرف الأنظمة الاستبدادية لقمع أيّ انتقاد يوجّه لها أو طلب سلمي للمشاركة السياسية. لذا لم يعد يتردّد كل من يريد التهجّم على العمل الذي نقوم به منذ عام 2004 في اتهام الكرامة بدعم الإرهاب.

تزامنت هذه الاتهامات التي تربطنا بالإرهاب مع صياغة "القائمة" من قِبل الولايات المتحدة بناءً على طلبٍ من حلفائها الخليجيين لإدراج أحد مؤسّسي الكرامة، عبد الرحمن النعيمي الأستاذ السابق في التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر والناشط في حقوق الإنسان وسجين الرأي السابق لدى منظمة العفو الدولية.[xx] وبهذا الخصوص ندعو كلّ شخص يسعى بصدق إلى فهم تاريخ الرجل ووضعه إلى قراءة قرار الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة الصادر في 2018 بشأنه.

لقد أشار الخبراء المستقلّون إلى أنه في ديسمبر 2013 أدرجت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة الأمريكية اسم عبد الرحمن النعيمي ضمن "قائمة الأشخاص الذين يموّلون ويسهلون أعمال الإرهاب" دون السماح له بالدفاع عن نفسه وتفنيد التهم الموجّهة إليه. شكّل نظام "الإدراج ضمن القوائم" أحادي الجانب الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر2001 الإرهابية وتمّ تعزيزه بعد الغزو غير المشروع للعراق من قِبل القوات الأمريكية آلة حقيقية ليشمل أيّ شخص مشبوه ضمن قوائمها.[xxi] في حين يحيل المعنى الحقيقي لصفة "شخص مشبوه" عمليًا إلى معارضة التدخّل الأمريكي في المنطقة أو معارضة الأنظمة الشمولية العربية. ولم تقدّم وزارة الخزانة الأمريكية أيّ دليل يدين عبد الرحمن النعيمي الذي ينفي جميع التهم الموجهة إليه وقد أبلغ رسميًا السلطات الأمريكية وكذلك لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن للأمم المتحدة أنه على استعداد للمثول أمام المحاكم الأمريكية لمحاكمته لكن بدون جدوى.

ومع ذلك فقد تمّت ملاحقته قضائيًا وسُجن وحكمت عليه محكمة في بلاده (قطر)، لكن نظرًا لعدم تقديم الولايات المتحدة أيّ دليل لتأييد هذه الاتهامات أُجبِرت هذه المحكمة على إصدار حكم في 30 مايو 2016 بتبرئته من جميع التهم الموجّهة إليه.

وفي قرارهم الصادر عام 2018 أعرب خبراء الأمم المتحدة المستقلون عن قلقهم إزاء عدم الوضوح في مسار إجراءات متابعته قضائيًا في السياق العام لمكافحة الإرهاب، وخَلُص الخبراء إلى أنّ "هذا الأمر يثير مخاوف جدّية بشأن السبب الحقيقي وراء هذه القضية، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالممارسات العالمية المعروفة التي تمّ تبنيها بعد 11 سبتمبر 2001".[xxii] إنّ ما أثاره الخبراء في هذا الملف تمّ توثيقه وتحليله من خلال الدراسات الأكاديمية للقانون الدولي ومن قِبل المجتمع المدني ويتلخّص في عدم الاكتراث المطلق بالحقوق الأساسية للمتضرّرين من إجراءات مكافحة الإرهاب التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في العالم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. وكما تؤكّده الخبيرة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مكافحة الإرهاب، "لم يجر مجلس الأمن أيّ حوار مع المجتمع المدني بشأن أيّ من قراراته المتعلقة مكافحة الإرهاب [...]، لتحديد الآثار القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية".[xxiii] بالإضافة إلى ذلك، وبحسب الخبيرة الأممية، فإنّ عدم وجود تعريف للإرهاب في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1373 (2001)، الذي بموجبه أنشئت قوائم العقوبات الشهيرة قد "فتح الباب أمام التسجيل التعسفي أو الماكر، لاسم أيّ شخص أو مجموعة، بما في ذلك من المجتمع المدني، وهذا برعاية شرعية المجلس".[xxiv]

في عام 2014 استقال عبد الرحمن النعيمي من الكرامة،[xxv] استقالة تبعتها رسالة من وزارة الخزانة الأمريكية توّضح بشيء من اللباقة غير البريئة أنّ الكرامة لم تكن بأيّ حال من الأحوال معنية بتهم الخزانة الأمريكية الموجّهة إلى النعيمي ولكن عليها مع ذلك اتخاذ المزيد من الاحتياطات في المستقبل.

لكن الضرر كان قد وقع والأمريكيون قدّموا بذلك عصا على طبق من ذهب لحلفائهم في المنطقة لضرب الكرامة وتشويه سمعتها وتنظيم حملات تضليل في الصحافة سواء كانت صحيفة "السفير اللبنانية" التي اتهمت الكرامة علنًا بـ"دعم الإرهاب" و"نشر الفوضى"، أو قناة "المنار" اللبنانية التابعة لحزب الله أو من المواقع الإخبارية للحكومة السورية "RTV.gov" و"الثورة" أو "أخبار اليوم" السعودية.

بالفعل كانت الكرامة وراء التحقيق الدولي في ممارسة التعذيب في لبنان، بما في ذلك على أيدي عناصر من حزب الله، وكانت الكرامة من أهمّ مصادر توثيق حالات الاختفاء القسري وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء التي ارتكبها النظام السوري.

ثمّ تبعتهم مجلة "كومنتري" (Commentary) الأمريكية التابعة للمحافظين الجدد والموالية لإسرائيل التي اتهمت الكرامة بأنها مسيّرة من طرف "مموّل القاعدة"، في إشارة إلى عبد الرحمن النعيمي.[xxvi] وفي أكتوبر 2014 كانت هذه المرّة صحيفة Le Temps السويسرية التي نشرت مقالًا بعنوان "مدينة جنيف موّلت منظمة غير حكومية متّهمة بصلات مع القاعدة"،[xxvii] مقالة تناقلتها بعد ذلك وسائل الإعلام السويسرية الأخرى.

لذلك قرّرت الكرامة الردّ على صاحب المقالة، وبعد شهر واحد نشر المدير القانوني للمنظمة رشيد مصلي مقالًا يتحدّث فيه عن صعوبة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي موضّحًا أنّ كل من يجرؤ على انتقاد الأنظمة الاستبدادية أو المطالبة بمزيد من الحرية يُتّهم بتهمة بالإرهاب لخنق أيّ انتقاد لمنتهكي حقوق المواطنين.[xxviii]

وفي نوفمبر2014 نشرت وكالة أنباء الإمارات العربية المتحدة قائمة تضمّ 85 منظمة "مصنفة بالإرهابية بموجب القانون الاتحادي رقم 7 لعام 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية"، أعدّها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بهدف "توعية المجتمع بهذه المنظمات".[xxix] وهذه القائمة التي تشمل المنظمات الإرهابية المعروفة دوليًا، مثل القاعدة أو داعش، تضمّ أيضًا العديد من الجمعيات الإسلامية في أوروبا والمنظمات غير الحكومية الدولية المعترَف بها مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) والإغاثة الإسلامية. وكانت الكرامة أيضًا ضمن الجمعيات المدرَجة في هذه القائمة. ورغم محاولاتنا الاتصال بالممثّلية الإماراتية في جنيف للحصول على تفسير لم نتمكّن من الحصول على أي ردّ. في الحقيقة لم تفاجئنا هذه القائمة أبدًا ولم تمنعنا كذلك من مواصلة عملنا لصالح الضحايا مع آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

باستطاعة أحمد بن سعادة والصحف الجزائرية الموالية للحكومة أنّ تكرر هذه الاتهامات إلى ما لا نهاية وتستمرّ في ذلك في مأمن من أيّ عقاب في ظل حماية تامة بل وبتشجيع من النظام الجزائري. لكن الأمر مختلف في الدول التي يحكمها القانون وحيثما تكون العدالة مستقلة. ولذلك عندما كـرّرت صحيفة Le Temps السويسرية فعلها في عام 2018 ونشرت في يناير 2018 مقالًا[xxx] يشير إلى أنّ الكرامة تندرج ضمن "مجموعة" إسلامية تابعة لقطر، وأنّها محل تحقيق من قِبل الأجهزة السويسرية، قدّمنا القضية أمام محكمة سويسرية أنصفت الكرامة وبرّأتها من التهمة في مواجهتها لأحد أرقى عناوين الصحف في البلاد. وأمرت المحكمة السويسرية الصحيفة بنشر ردّ الكرامة ودفع تعويضات مالية.[xxxi] ومن شبه المؤكد أنّ النتيجة تكون نفسها بالنسبة لأيّ دعوى تشهير أخرى في حقّ الكرامة كنّا سنرفعها ضد المشهرين لو لم تكن هذه الإجراءات ستأخذ من وقتنا وتصرفنا عن مهمتنا الأساسية المتمثلة في دعم الضحايا.

3.4. ما هي التهم الموجهة لأعضاء الكرامة؟

ليس من الاستقامة والنزاهة الفكرية عدم الإشارة إلى أنه بعد اعتقال مراد دهينة وسجنه في فرنسا بناءً على طلب من نظام الجزائر لم يُسلّم في نهاية المطاف إلى السلطة في الجزائر. وقد وصف المدّعي العام الفرنسي نفسه عند استلام ملفّ التسليم الجزائري بأنه "سخيف" (ubuesque)، وكانت السلطات الجزائرية التي ربما لم تقرأ ببساطة حتى المستندات المرفقة بالملفّ المرسل لم تقدّم أيّ دليل مادي يبرّر طلبها بل الأغرب من ذلك أنها قدّمت وثيقة تثبت براءته![xxxii] كما رُفضت جميع طلبات التسليم الأخرى التي قدّمتها السلطات الجزائرية إلى فرنسا وسويسرا نظرًا لسخافة محتواها وعدم تناسقها.

وعكس ما يتوهّمه أنصار نظريات المؤامرة، فإنّ مراد دهينة وغيره من المعارضين الجزائريين في أوروبا لا يتمتّعون بأيّ حماية من أيّ بلد باستثناء حماية سيادة القانون والعدالة المستقلّة. والأمر مثله ينطبق على رشيد مصلي الذي اعتُقل على الحدود السويسرية-الإيطالية في أغسطس 2015 بناءً على مذكرة توقيف دولية صادرة عن السلطات الجزائرية في عام 2002. وفي 16 ديسمبر 2015، رفض قاضٍ إيطالي طلب التسليم بعد ملاحظته جميع التناقضات المتضمّنة في مذكرة التوقيف الدولية. واعتبرت المحكمة أنّ التهم الموجّهة إليه كانت نتيجة "اضطهاد سياسي" وأكّدت أنّ "نشاطه في مجال حقوق الإنسان لا علاقة له بالإرهاب". أخيرًا في 13 مايو 2016 قرّرت لجنة مراقبة ملفات الإنتربول بعد معركة قانونية طويلة إلغاء مذكّرة التوقيف الدولية هذه.[xxxiii]

5. التهم الموجهة إلى الكرامة: دليل على فاعلية المنظمة

في مقال نشرته صحيفة Le Temps السويسرية[xxxiv] بتاريخ 20 نوفمبر 2014 أعرب المدير القانوني للكرامة عن مدى صعوبة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي، ردًا على مقال آخر، ليس الأوّل من نوعه،[xxxv] نُشر في الصحافة السويسرية حول الاتهامات المتعلقة بالإرهاب التي وجّهتها على وجه الخصوص دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الكرامة. وأكّد رشيد مصلي في مقاله أمرًا لا يخفى على أيّ شخص مطّلع على أوضاع حقوق الإنسان وهو أنه "في العالم العربي يُتهم بـ’الإرهاب‘ كلّ من ينتقد الأنظمة الاستبدادية أو يطالب بمزيد من الحريات، لكن عندما تردّد الديمقراطيات الغربية نفس النغمة يصبح الأمر مثيرًا للقلق حقا". ورغم التهم الملفّقة ضدّها حظيت الكرامة على الدوام بدعم خبراء الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المستقلة والمجتمع المدني الذين لا يدعمون المنظمة فحسب بل يتفهّمون أيضًا أسباب مثل هذه المضايقة الخانقة المتواصلة.

1.5. لماذا تتهم الكرامة بالإرهاب؟

من أجل فهم لماذا لا تستند اتهامات أحمد بن سعادة إلى أيّ تحليل حقيقي للوضع، لا بدّ على المرء أن ينظر في أسباب هذه الاتهامات ومصدرها. وبوسع كلّ شخص يزور موقع الكرامة ويطلّع على أعمالها أن يرى بسهولة أنها تُزعج فعلًا أقوياء هذا العالم وهذا من نواحٍ شتى.

إنّ إقدام الكرامة على الإدانة العلنية في مقرات الأمم المتحدة للانتهاكات الممنهجة المرتكبة من قِبل هذه الأطراف والتي غالبًا ما ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية لا يمكن في واقع الأمر إلا أن يثير استياء هذه الأنظمة التي اعتادت على المواقف غير المكترثة من طرف حلفائها الغربيين الأقوياء بل وحتى تواطؤهم بسكوتهم.

بالفعل ليس هناك "تخريب" (التهمة الموجّهة عادة من الأنظمة المستبدّة ضدّ خصومها) أكبر وأخطر من التشكيك والتصدّي للخطاب "الأورويلي"[3] (المزدوج) المعتـمَد من قِبل الدول العربية الشمولية وإدانة العنف السياسي الذي تستخدمه ضد شعوبها ثمّ تقدمه على أنه يشكل الطريقة الوحيدة – والأكثر فعالية – لفرض السلم "الاستراتيجي" في هذه المنطقة لصالح حلفائها.

إذا كان هناك اليوم شيء باستطاعته أن يجعل أيّ شخص منبوذًا "لا يمكن الدفاع عنه"، فهو تهمة الإرهاب، ولهذا السبب كان اتهام الكرامة بالإرهاب، حسب اعتقادهم، تحطيم المصداقية في عملها ومصداقية الآلاف من الإجراءات المتّخذة من قِبل المنظمة لصالح الضحايا والمئات من التقارير الموثّقة عن أبشع التجاوزات التي ارتكبتها الأنظمة العربية للسيطرة على شعوبها عن طريق نشر جو من الرعب. هذه الممارسات ترمي في الوقت نفسه إلى ترهيب الضحايا وأقاربهم لثنيهم عن التواصل مع الكرامة من خلال اتهامهم بـ"خيانة بلادهم" أو حتى الاتصال بهيئة إرهابية، لكن رغم كل هذه الممارسات من السلطة تواصل عائلات الضحايا في وضع كامل ثقتها في الكرامة.

إنّ اتهام الكرامة بالإرهاب معناه أيضًا محاولة منعها من الوصول إلى الأمم المتحدة ومن أخذ الكلمة للتحدّث بصراحة أثناء عمليات فحص أوضاع حقوق الإنسان في بعض البلدان. وعلى إثر طلبنا للحصول على الصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)[4]، المقدّم في مايو 2015، قرّرت لجنة المنظمات غير الحكومية بالإجماع تقديم توصيتها بمنح الكرامة صفة استشارية خاصة. وجاء قرار منح الكرامة صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي نتيجة عملية طويلة أثناء المراجعة من قِبل لجنة المنظمات غير الحكومية بعد محاولة الدول الصديقة أو الحليفة للأنظمة العربية بكل الوسائل تأخير إصدار القرار.[xxxvi] وفي 26 يوليو 2017، خلال اجتماع التنسيق والإدارة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي المكوّن من الدول والمفترض أن يوافق على جميع قرارات لجنة المنظمات غير الحكومية، قدّمت دولة الإمارات العربية المتحدة قرارًا يطلب سحب قرار الاعتماد بدعوى أنّ الكرامة لها "صلات واضحة بالإرهاب".[xxxvii] هذا القرار الذي قدّمته دولة الإمارات العربية المتحدة أيدته… الجزائر والولايات المتحدة. ورغم ذلك لم يمنعنا ذلك، إلى يومنا هذا، من حضور الاجتماعات الخاصة بمراجعة ملفات الدول من قِبل اللجان الأممية وحضور جميع الاجتماعات الأخرى التي توجّه إلينا بشأنها الدعوة مباشرة من قِبل الخبراء المستقلين دون الحاجة إلى الصفة الاستشارية.

إنّ اتهام الكرامة بالإرهاب يعني في نهاية المطاف السعي إلى إغلاق جميع أبواب التمويل أمامها اليوم، ومع ذلك، فلن نتخلى أبدًا عن مهمتنا ونضالنا.

ليست الكرامة الضحية الوحيدة لهذه الممارسة فقد كشفت دراسة أجرتها المقرّرة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مكافحة الإرهاب،[xxxviii] ركّزت على الشكاوى التي تلقتها ولايتها، أنّ 66٪ من هذه الشكاوى تتعلّق بحالات اتهام بالإرهاب من قِبل دول، تُهَم موّجهة لأعضاء المجتمع المدني كشكل من أشكال العقاب أو الانتقام من أصحابها.[xxxix] وينطوي هذا الوضع المثير للقلق على عواقب وخيمة على حالة المجتمع المدني والحريات الأساسية للبلد. يبقى الهدف من هذه الإجراءات هو نفسه: منع الانتقاد السلمي للأنظمة القمعية، وتكميم المجتمع المدني من خلال التهديد بوصم أيّ منتقد لهذه الدول أو الجهات بتهمة الإرهاب في عالم قد تكفي هذه التهمة لوحدها لحرمانه من أيّ إمكانية للتعبير وأي حماية قانونية.

هذه الممارسات وكل الجهود المبذولة من وسائل إعلام معبأة لهذا الغرض وحشد الصحفيين عديمي الضمير مقابل مكافآت تُظهر مع ذلك مدى القلق والرعب الذي يتملك هذه الأنظمة في محاولتها ضمان بقائها.

2.5. الدفاع عن الكرامة من مسؤولين على أعلى مستوى في الأمم المتحدة

كان للكرامة الحظ والفضل في تلقي الدعم من خبراء حقوق الإنسان المستقلين التابعين للأمم المتحدة الذين يعرفون عملها وجدّيتها. ففي أكتوبر 2018 أشار مساعد الأمين العام للأمم المتحدة إلى الأعمال الانتقامية ضد الكرامة[xl] ملفتًا الانتباه إلى استخدام تهم الإرهاب لمنع المنظمة من دخول مقرّات الأمم المتحدة. وأكّد الأمين العام المساعد الذي أعرب عن قلقه إزاء انعدام الشفافية في عملية اتخاذ القرارات المتعلّقة بمنح الصفة الاستشارية للمنظمات غير الحكومية علانية أنّ "طلب حصول منظمة الكرامة على الصفة الاستشارية قد رفضه المجلس الاقتصادي والاجتماعي انتقامًا منها بسبب عملها لصالح حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة".[xli]

وفي يناير 2018 تولّى خبيران من الأمم المتحدة وهما المقرّر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير والمقرّر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان أيضًا الدفاع عن الكرامة،[xlii] وأعربا عن قلقهما إزاء رفض المجلس منحها الصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، "وهو قرار لا يبدو أنه يستند إلى تقييم موضوعي للحقائق بل يبدو أنه يشكّل إجراءً انتقاميًا على عملها ومشاركتها مع آليات الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان".[xliii]

كان ذلك مجرّد تصويب خطأ وإنصاف تجاه منظمة استثمرت الكثير من الوقت والجهود في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.

6. أحكام مسبقة لها عواقب خطيرة على احترام حقوق الإنسان

ينتمي أحمد بن سعادة، أحد أنصار "الاستقرار في ظل الظلم"، إلى الخط الذي ينكر مبدأ حقوق الإنسان غير القابلة للتصرّف وللتطلّعات المشروعة للتغيير المعبّر عنها من طرف مواطني العالم العربي. فهو يعتبر الشعب الجزائري قاصرًا وينفي عنه أيّ قدرة على المطالبة باحترام حقوقه غير القابلة للتصرّف بطريقة مستقلة. وإذا كان مثل هذا الخطاب راسخًا ومتجذرًا في التاريخ الاستعماري وجزء من المكانة الممنوحة للمستعمر بخصوص التمتع بحقوقه الأساسية، إلا أنّ هذا الخطاب قد تطوّر اليوم واتخذ أشكالًا ماكرة مدسوسة قائمة على التضليل الإعلامي والدعاية والمضايقات القضائية ضد ضحايا الانتهاكات أنفسهم وضد من يدافع عنهم.

1.6. مخاطر الرؤية الاستعمارية الجديدة لحقوق الإنسان

لو نظرنا إلى الهجمات وحملات التشهير التي تعرّضت لها الكرامة منذ إنشائها والحملات الإعلامية المضلّلة التي تمّ تنفيذها والجهات التي حركتها ونشطتها تتكشف لنا عدة ثوابت منها استخدام مصطلح "إسلاموي"، الذي ينطوي على دلالة مطاطية للغاية، مصطلح فضفاض يمكننه أن يستوعب مجموعة واسعة من الحركات والأحزاب والشخصيات بغضّ النظر عن أهدافهم وأساليبهم وسياقاتهم، وهو يحيل من حيث الاستخدام الشائع إلى "المسلم السيئ" هذا إذا لم يشِر ببساطة إلى "إرهابي محتمل". إنه مصطلح يصطنع "الآخر"، الغريب، في صورة تثير القلق في النفوس وترهيبها من أجل حرمان "الإسلاموي" من شرعيته والحثّ كواجب أخلاقي على ضرورة مراقبته.

إنّ الهدف من تنميط الكرامة بشكل منهجي وتغليفها برداء الفزاعة "الإسلاموية"، هو إقصاؤها من مهامّ الدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ الكرامة، ليبدو كلّ ما تتخذه من إجراءات في مجال حقوق الإنسان مجرّد وسيلة وتكتيك لا يمكن أن يكون إلا من أجل غايات شرّيرة متخفية، يجتهد أتباع نظريات المؤامرة مثل أحمد بن سعادة إلى فضحها.

هذا الإقصاء يساعد على ترسيخ الرؤية العنصرية والاستعمارية البحتة لحقوق الإنسان التي لا يمكن وفق رؤيتهم أن تتولاها الشعوب المحلية التي يتوجّب "تحضيرها". وبشكل أعمّ لا يمكن للمسلمين – والمشتبه فيهم كلهم بالإسلاموية – والذين يتّسم دينهم بطبعه "بالعنف"، أن يطالبوا بالمساواة والكرامة والحرية التي اخترعها "الرجل الأبيض المستنير" وحده. هذه الرؤية ذاتها لمبادئ حقوق الإنسان والحضارة التي برّرت في الماضي استعمار الشعوب وشرعنت الجرائم ضد الإنسانية هي التي تُستعمل اليوم لتصف أيّ دعوة صادرة عن المسلمين من أجل الحرية أمرًا خطيرًا.

وما يزيد من شبهة هذه الدعوات، وفق "تحليل" بن سعادة، أنّ تجسيدها يتم في مظاهرات سلمية ومنظمة ومستقلة فوق كل ذلك. ويستمرّ انتشار أنماط التفكير من هذا النوع، المتجذرة بعمق في التاريخ الاستعماري، واختراق المجتمعات الغربية والنخب المنقطعة عن مجتمعها في دول المغرب العربي أو الشرق الأوسط على حدّ سواء.

لكن رواية أحمد بن سعادة لا تتوقّف عند هذا الحدّ بل تذهب أبعد من ذلك: إنّ "قادة" الحراك – الذين لم يشيروا إلى أنفسهم مطلقًا بهذه المصطلحات – لا يستطيعون أبدًا، في نظره، التعبير عن مطالبهم بأنفسهم، ومن ثمّ فهُم يخدمون بالضرورة أجندة تمّت صياغتها ودعمها من قِبل القوى الغربية، وهنا تأتي حـجّة العامل الخارجي: هؤلاء "القادة" لا يمثلّون الشعب الجزائري لذا لا يملكون أيّ شرعية للحديث، بل أكثر من ذلك، يعتبر أنّ الدولة محقّة في اتخاذ إجراءات صارمة لقمع أعداء الشعب وحمايتهم من محاولات التلاعب بهم. في الصورة التي ينسجها أحمد بن سعادة يبدو الشعب الجزائري قاصرًا مجمّدًا في مرحلة الطفولة قابل للتلاعب به وخاضع لرغبات غيره.

2.6. التداعيات على حقوق الإنسان والحريات الأساسية

نعت طرف بصفة "أجنبية" هو مقدّمة لإقصائه، وليس من المستغرب إذن أن يشترك خطاب أحمد بن سعادة في نفس التلميحات الضمنية التي أدلى بها وزير الاتصال الحالي، عمار بلحيمر،[xliv] بشأن ضرورة التخلّص من الذين يلوّثون الحراك "الصافي"، التخلّص من أيّ اعتداء على أمن الدولة، ومن أيّ انتقاد لمؤسساتها. إذن لا بد من وقف هذه "الطفيليات" وسنّ قوانين قمعية جديدة لردع كلّ من تسوّل له نفسه حذو حذوهم في المستقبل.

وحتى لو سعى أحمد بن سعادة إلى الظهور كمدافع عن الحراك، فإنّ ما يقوم به عمليًا – وكذلك شركاؤه الذين قاموا بكتابة تصدير الكتاب وخاتمته – ليس أكثر من إضفاء الشرعية على القيود المفروضة على حريات نشطاء هذا الحراك، من خلال استخدام تقنيات التشهير والقذف، بما يفسح المجال أمام مزيد من المضايقات للنشطاء وتلفيق الاتهامات والملاحقة الجنائية، وهو يأمل بهذه الطريقة إسكات المجتمع المدني ووضع حدّ للحراك الذي يزعم الدفاع عنه بشدة.

أ) التهجم على الأشخاص الذين يستخدمون حقوقهم وحرياتهم الأساسية بشكل سلمي

في خطابه لعام 2018 أمام مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان، أعرب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، أندرو جيلمور، عن قلقه إزاء اتهامات "الإرهاب" التي وجّهتها بعض الحكومات ضد المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء بحجة التعاون مع جهات أجنبية أو المساس بسمعة الدولة أو أمنها، مضيفًا أن هذا التوجّه الخطير الذي انتشر عالميًا يسعى قبل كل شيء إلى تشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان والقضاء على مصداقيتهم.[xlv]

في حين نجد أنّ أحمد بن سعادة يطرح قضية اعتقال كريم طابو دون أن يكتفي فقط بالتشكيك في نزاهة المدافعين عنه بل يشكّك أيضًا في دوافعهم، وبالتالي في شرعية هيئة الدفاع.[5] ويدّعي بن سعادة أنّ أصواتًا كثيرة قد ارتفعت للمطالبة بالإفراج عنه، لكنه لم يقصد بذلك إلا الذين يهمّه أمرهم، في محاولة منه لتشويه سمعتهم، وبوسعنا نحن أيضًا أن نطرح عليه السؤال لماذا لم يهتم بالمدافعين الآخرين عن طابو؟

دعونا نعود قليلًا إلى ردّ الحكومة الجزائرية وما تكشف عنه من خطورة بالغة في صياغتها لائحة الاتهامات ضد كريم طابو. تؤكد الدولة الجزائرية في ردّها على الأمم المتحدة أنّ التهم الموجّهة لكريم طابو تتمثّل في قيامه خلال إحدى مداخلته العلنية "بإلقاء خطب تحرّض على العصيان المدني ضد مؤسسات الدولة وعلى وجه الخصوص ضد الجيش الوطني، مما أضفى على هذه الخطب صفة إجرامية مثبتة". وبحسب السلطات فقد "تهجَّم السيد طابو على المؤسسة العسكرية علنًا باتهام قائد أركانها وضباط الجيش بالتورّط في قضايا فساد، وبالتالي بإثارة الشكوك داخل هذه المؤسسة". وما يلاحظ هو أنّ جميع هذه المزاعم المبرّرة لاعتقال طابو متناقضة تمامًا لأنه في تلك الفترة بالذات كان ضباط كبار في الجيش يمثلون أمام المحكمة العسكرية في البليدة بتهمة "الفساد".[xlvi]

بالإضافة إلى ذلك، في محاولتها إنكار الانتهاكات الخاصة بحرمان كريم طابو من حقه في حرية التعبير ادّعت السلطات أنه تمّ اعتقاله فقط "لانتهاكه العقد الاجتماعي الذي يتطلّب منه احترام القوانين ومؤسّسات الجمهورية أثناء مزاولة نشاطه السياسي، كما هو مطلوب في جميع المجتمعات الديمقراطية". بعبارة أخرى، يبدو من منظور النظام الجزائري أنّ أيّ مشاركة في المجال السياسي الجزائري يجب أن تتمّ بشروطه وضمن الحدود التي يضعها النظام نفسه، وهذا يعني أنّ الدعوة إلى التغيير السلمي لمؤسسات الدولة يجب ألّا يكون ضمن المطالب السياسية للمواطنين. هل هذا هو المفهوم الذي يتمنّاه أحمد بن سعادة ويعمل من أجله للعقد الاجتماعي والديمقراطية في الجزائر؟ فالحراك المقبول يكون من وجهة نطره إذن حراكًا لا يطالب بتغيير حقيقي لمؤسساته وحكامه ولو بطريقة سلمية؟ هل يريد حراك شعب سلبي من دون أيّ إرادة في التغيير؟

ب) إدراج هذه الهجمات في قانون البلاد

إنها نفس المقاربة التي أدّت في أبريل الماضي إلى اعتماد القانون رقم 20-06، دون مناقشة برلمانية أو عامة، وأُدخلت في قانون العقوبات عدة أحكام شديدة التقييد للحق في حرية التعبير والممارسة الدينية وتكوين الجمعيات، في سياق مثير للقلق أصلًا، يتميّز بالاضطهاد المنهجي للناشطين.

هذا القانون يعدّل المادة 144 من قانون العقوبات الذي يجرّم انتقاد الموظفين العموميين من خلال (1) تشديد أحكام السجن المطبقة و(2) توسيع نطاقها لتشمل ازدراء الأئمة[6]. وينطوي هذا الحظر على إشكالية أكبر لأنّ الأئمة موظفون لدى الدولة ويتلقّون تعليمات تتحكّم في خطبهم على منابر المساجد، من قبيل أمر المصلين بعدم التظاهر مع استخدام الحجج الدينية لحظر أيّ تظاهرة سلمية تعارض السلطة العمومية.[xlvii] بالإضافة إلى ذلك، أدخل القانون فصلًا جديدًا في قانون العقوبات يجرّم "نشر أو الترويج لمعلومات أو أخبار من شأنها الإضرار بالنظام والأمن العام".

أخيرًا، أُدخِلت المادة 95 مكرّر في قانون العقوبات، التي تفرض قيودًا خطيرة على حرية تكوين الجمعيات وتنصّ على إنزال عقوبات تصل إلى سبع سنوات سجنًا، بينما يتميّز النظام القانوني الحالي أصلًا بتقييد هذه الحريات، ليضاف له هذه المرة تجريم الحصول على الموارد مهما كان مصدرها (عام أو خاص).[xlviii]

ج) من الأحكام المسبقة إلى التضليل الإعلامي... إلى إغلاق فضاء المجتمع المدني

جميع هذه الإجراءات غير القانونية، سواءً من وجهة نظر الدستور أو التزامات الدولة الجزائرية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يبرّرها الوزير عمار بلحيمر بحجّة وجود نفس المخاطر التي تثير قلق أحمد بن سعادة. وبالتالي، فإنّ ما وصفته الصحافة بأنه "تقييد للحريات" تمّ ترجمته عمليًا إلى أحكام جزائية جديدة صُـمّمت لإضفاء الشرعية على ممارسة القمع، تستهدف الصحفيين والمنظمات غير الحكومية بالدرجة الأولى، وكونهم متهمين بالارتباط بالخارج يُنظر إليهم على أنهم المروّجون بامتياز لهذه "الثورة الملونة" التي يبدو أنها تطارد أحمد بن سعادة والحكومة الحالية.

يرى عمار بلحيمر في "مراسلون بلا حدود" ومن جديد في "الصندوق الوطني للديمقراطيّة" نفس محرّكي الدمى الذين يسيّرون هؤلاء "الذين نصبوا أنفسهم قادة للحراك"، وبالتالي يتحكّمون في الحراك نفسه. وبذلك يتبّنى وزير الاتصال نفس الحجج التي يستخدمها أحمد بن سعادة: بالنسبة لهما قد يكون الصندوق الوطني للديمقراطيّة الأمريكي "حصان طروادة بامتياز للثورات الملوّنة في العالم، والمغرب العربي والعالم العربي على خط المواجهة".[xlix] حـجبت السلطة عددًا من الصحف للاشتباه في تلقّيها أموال أجنبية، وكان عمار بلحيمر قد حذّر من أنّ "التمويل الأجنبي للصحافة الوطنية، ويشمل ذلك جميع وسائل الإعلام، ممنوعٌ منعًا باتًا مهما كانت طبيعته ومصدره".

خطاب أحمد بن سعادة يخدم بشكل مباشر جهود السلطات الجزائرية – على حدّ تعبير الخبيرة فيونوالا ني أولين (Fionnuala Ní Aoláin) – لإسكات المجتمع المدني من خلال حملات التشهير التي تهدف إلى نزع الشرعية عنه وتلطيخ سمعته وسمعة الفاعلين فيه، عن طريق وصف البعض منهم، دون دليل، بأنهم "إرهابيون" والتلميح بالنسبة للآخرين بأنهم خوّنة أو يشكلون "تهديدًا للأمن القومي" أو "أعداء للأمة".[l] هذا "التصنيف السلبي للجهات الفاعلة في المجتمع المدني يجعلها بوضوح أهدافًا لهجمات مشروعة ومن ثَمّ يبرّر اعتماد تدابير تقييدية جديدة" منها اعتماد أحكام جنائية جديدة ومضاعفة عمليات الملاحقات القضائية لأشخاص ذنبهم الوحيد أنهم يمارسون حقوقهم وحرياتهم الأساسية.

في نهاية المطاف، أصبحت حقوق الإنسان رهينة الخطاب الرسمي الذي يتّهم المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء السياسيين بالإجرام والإرهاب والعمالة لصالح جهات أجنبية. إنّ وصم المجتمع المدني بهذه الصفات يعتبر عاملًا حاسمًا في محاولة إغلاق الفضاء الديمقراطي، المحاولة التي يشارك فيها أحمد بن سعادة.

7. محاربة الدعاية والدفاع عن حقوق الجميع

في هذه الحالة كيف يمكن مواجهة هذه الأحكام المسبقة والتصدي لِما يترتّب عنها من عواقب وخيمة على حقوق الإنسان وعلى مجتمعاتنا؟ الجواب الذي تقدّمه الكرامة على هذا السؤال يكمن في صميم فلسفة عملنا: مقاومة التعسّف بكشف الحقيقة وتحقيق العدل والاستمرار في مواجهة الأقوياء وفي النضال من أجل الأفكار التي نحن متيقنون أنها صحيحة. من خلال تصوير الحراك على أنه نتيجة لتلاعب بعض الأفراد الذين يعملون لحساب قوى أجنبية، وبوصفه كثورة ملوّنة، ينفي أحمد بن سعادة عن كل جزائري وكل جزائرية، فطرة الإنسان التواقة إلى الحرية والكرامة الكامنتين بداخلهم. ولذلك فإن مكافحة الأحكام المسبقة والمعلومات المضلّلة والدعاية المغرضة تشكّل ضرورة مطلقة للحفاظ على هذه القِيَم.

1.7. الحفاظ على الحريات الأساسية ضد التضليل الإعلامي

دعونا نبدأ بالتذكير بحقيقة غالبًا ما يغفل عنها الإنسان: المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهي المادة التي يقوم عليها العهد برمّته وسبب وجود الحقوق المنصوص عليها فيه، تتعلّق بحق بعينه، يحظى اليوم في الجزائر بأهمية أكثر من أيّ وقت مضى: إنه حق الشعوب في تقرير مصيرها. إذ تنص الفقرة 1 من المادة 1 على الآتي:

1. لجميع الشعوب حقّ تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.[li]

 

يكتسي هذا الحق أهمية خاصة لأنّ تنفيذه مستحيلٌ إذا لم تُحترم جميع الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إنه أساس ونتاج الحقوق المدنية والسياسية في الوقت نفسه، فضلًا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومن ثَمّ فهو وفق تعبير لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "شرطٌ أساسي لضمان واحترام حقوق الإنسان الفردية بشكل فعّال وكذلك لتعزيز هذه الحقوق وتقويتها".[lii] ولهذا السبب جعلت الدول من حق الشعوب في تقرير المصير، سواء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية[liii] – الذي صدّقت عليه الجزائر أيضًا –، "حكما ضمن القانون الوضعي، وأدرجوه كمادة أولى، منفصلًا وعلى رأس جميع الحقوق الأخرى المنصوص عليها في هذه العهود".[liv]

لن نقوم هنا بالتحليل مادة بعد مادة ما يعنيه كلّ ذلك، لكننا ندعو كلّ مواطن لزيارة موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة على صفحة لجنة حقوق الإنسان وقراءة التعليقات الخاصة بكل مادة والتي توضّح بالتفصيل التزامات الدولة تجاه كل حقّ وكل حرية منصوص عليها في العهد.[lv]

ليس من المبالغة أبدًا أن نكرر المرة تلو الأخرى الآتي: يندرج العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ضمن القانون الجزائري، وقد تمّ التوقيع عليه والمصادقة عليه من قِبل الدولة الجزائرية. صحيح أن ذلك تم في سياق الانفتاح الديمقراطي القصير بعد أكتوبر 1988 لكنه يبقى مع ذلك جزءًا لا يتجزّأ من القانون الوطني. ومن ثَمّ فالرجوع إلى نصوصه والتذكير بها لا يعتبر "تدويلًا" لقضية داخلية ولا اعتداءً على الدستور والأمة الجزائرية بل على العكس من ذلك يحقّ للمتقاضي الجزائري الاحتجاج بمادة متضمّنة في أيّ اتفاقية صدّقت عليها الجزائر أمام قاضٍ وطني وهو ملزمٌ بأخذها بعين الاعتبار.

وسف نعرض بإيجاز محتوى الحقوق التي نعتبرها الأكثر "أساسية" في تنفيذ حقّ الشعب الجزائري في تقرير مصيره.

اتخذ الحراك شكل حركة شعبية احتجاجية سلمية. علمًا أنّ التظاهر السلمي، المحظور ممارسته في العاصمة بموجب مرسوم، هو مع ذلك حق وحرية يحميهما العهد، ويسمح هذا الحق الأساسي بالاحتجاج للأفراد بالتعبير عن أنفسهم وتحديد وضعهم السياسي بشكل جماعي.

ويحمي هذا الحق قدرة الأشخاص على ممارسة استقلاليتهم الفردية بالتضامن مع الآخرين، وبالتالي، فإنّ إمكانية التظاهر السلمي تشكّل أساس أيّ نظام حكم تشاركي يقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية، مما يسمح بتعزيز الأفكار والأهداف الطموحة في المجال العام. والحراك من خلال تعبئته الشعبية السلمية يهدف لا أكثر ولا أقلّ إلى السماح للجزائريين بتقرير مصيرهم المشترك، وهو حق من حقوقهم الأساسية.[lvi]

وبالتالي فإنّ الدولة ملزمة بالسماح للمتظاهرين بتحديد مكان تجمّعهم بحرية واحترام حقهم في تحديد الهدف من تجمّعهم ومحتواه التعبيري. يُحظر على الدولة منع التجمّعات السلمية أو تقييدها أو محاصرتها أو تفريقها أو تعطيلها دون مبرّر قاهر، ولا يحقّ لها معاقبة المشاركين فيها أو المنظّمين لها دون سبب مشروع. على العكس من ذلك، فالسلطات ملزمة بتسهيل التظاهرة والحفاظ على طابعها السلمي من خلال فتح الطريق العام ومنع وقوع أعمال عنف. وكقاعدة عامة، يجب اعتبار استخدام الأعلام والأزياء الرسمية والإشارات واللافتات، شكلًا مشروعًا من أشكال التعبير ولا ينبغي تقييده، كما أنّ عدم إخطار السلطات باجتماع قادم، عند الضرورة، لا يجعل فعل المشاركة في الاجتماع عملًا غير قانوني ولا ينبغي استخدامه في حد ذاته كأساس لتفريق الاجتماع واعتقال المشاركين فيه والمنظمين له أو لفرض عقوبات جنائية عليهم. وأخيرًا قد يشكّل الاحتجاز الوقائي للأفراد المستهدَفين لمنعهم من المشاركة في التجمّعات حرمانًا تعسفيًا من الحرية، وهو ما يتعارض مع الحق في التجمّع السلمي،[lvii] وبالتالي لم تكن القيود التي فرضتها السلطات على الحراك غير مبرّرة فحسب، بل قد أخلّت أيضًا بالتزامها القاضي بتسهيل هذه المظاهرات السلمية.

حرية الرأي وحرية التعبير شرطان أساسيان لتنمية أيّ مجتمع حرّ وديمقراطي، لأنهما يسمحان بتبادل الآراء وإثرائها. ويجب أن تسمح حرية التعبير للأفراد بمساءلة الحكام من أجل ضمان شفافية تسيير الشؤون العامة والحكم الراشد في البلاد، وبالتالي تحميل الحكام المسؤولية والمحاسبة على طريقة تدبيرهم شؤون الدولة. وبهذه الطريقة يكون الالتزام باحترام حرية الرأي وحرية التعبير مفروضًا على أيّ دولة طرف في العهد، ويشمل ذلك جميع السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، فضلًا عن أيّ سلطة عمومية أو حكومية على أيّ مستوى كان. بعبارة أخرى، لا يمكن لأيّ مؤسسة أن تكون بمنأى عن النقد السلمي من طرف المواطنين ولا حتى المؤسسة العسكرية.[lviii]

الجانب الآخر من حرية التعبير هو حرية الوصول إلى المعلومات. وفي هذا السياق تكون وسائل الإعلام الحرة التي لا تتعرّض للرقابة أو العراقيل ضرورية بالنسبة لأيّ مجتمع، لضمان حرية الرأي وممارسة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي بما في ذلك حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، ومن ثَمّ يُـحظر على الدولة الجزائرية تجريم ما تسميه بـ"الأخبار الكاذبة" حتى من دون تعريفها معنى هذا المصطلح.

من شأن صحافة حرة أن تسمح أيضًا بتفادي التضليل الإعلامي والدعاية المغرضة التي تُتقن الصحافة الجزائرية الرسمية تقنياتها وفنونها. وأحد الأمثلة الصارخة الدالة على هذه الضرورة المطلقة، تبيّنه لنا على سبيل المثال حادثة مجموعة النشطاء الجزائريين السلميين الذين نظّموا مسيرة من شامبيري في فرنسا إلى جنيف. ولدى وصولهم أمام قصر الأمم يوم الأحد 23 أغسطس 2020 للتظاهر ضد الاعتقالات التعسفية في الجزائر قدّم ممثلوهم في يوم الغد رسالة إلى مكتب مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، للمطالبة بتدخله لدى السلطات الجزائرية للإفراج عن معتقلي الحراك.

لكن بعد أيام قليلة من بث مقاطع فيديو للمظاهرة وعملية إيداع ممثلي النشطاء لرسالتهم في قصر ويلسون، شنّت السلطات الجزائرية حملة تضليل وتشهير واسعة ضد النشطاء السلميين. بدأت هذه الحملة ببيان صحفي صادر عن وكالة الأنباء الجزائرية[lix] وتقرير في نشرة أخبار قناة ENTV[lx] الرسمية يوم 1 سبتمبر 2020، متاح باللغات العربية والفرنسية[lxi] والأمازيغية. وقد ادّعى هذا البيان الرسمي أنّ الشكوى تمّ رفضها في غضون 24 ساعة من قِبل مكتب للأمم المتحدة، لكن تبيّن لاحقًا أنّ هذا المكتب لا وجود له أصلًا، واستشهد البيان بتصريحات مسؤول أممي يُفترض أنه يعمل بالأمم المتحدة، اتضح أنه هو أيضًا لا وجود له[7]. على إثر ذلك راسلت الكرامة المفوضية السامية لتنبّه مؤسسة الأمم المتحدة إلى أنّ ذلك يشكّل حملة تضليل وانتهاك من قِبل الجزائر لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، مذكّرة بالمبدأ الذي بموجبه "يجب على السلطات عدم إصدار أو تأييد أو تشجيع أو نشر البيانات التي يعرفون أو يتعيّن عليهم معرفة، بشكل معقول، أنها خاطئة (معلومات مضللة) أو أنها تكشف عن تجاهل صارخ للمعلومات التي يمكن التحقق منها (الدعاية)".[lxii] يجب على هذه السلطات/الحكام أيضًا الحرص "وفقًا لالتزاماتهم القانونية الوطنية والدولية وواجباتهم العامة، التأكد من أنّ المعلومات التي ينشرونها موثوقة وجديرة بالثقة".

وفقا لـ"الإعلان المشترك حول حرية التعبير و’الأخبار الكاذبة‘ والمعلومات المضلّلة والدعاية"، "يقع على عاتق الدول الالتزام الإيجابي بتعزيز بيئة تتيح الاتصال الحر والمستقل والمتنوّع، بما في ذلك تنوع وسائل الإعلام، وهو ما يشكّل وسيلة أساسية لمكافحة التضليل الإعلامي والدعاية المغرضة".[lxiii] تعكس حملة التضليل الرسمية هذه بشكل مباشر المخاوف التي أعرب عنها مؤلفو الإعلان المشترك "من أنّ المعلومات المضللة والدعاية غالبًا ما يتم تصميمها وتنفيذها بطريقة تؤدي إلى تضليل الناس وتقويض حقوقهم في المعرفة وتقويض كذلك حقّ الأفراد في البحث وتلقّي ونقل المعلومات والأفكار من جميع الأنواع، بغضّ النظر عن الحدود بين الدول، وهي حقوق محمية بمقتضى الضمانات الدولية للحق في حرية التعبير وحرية الرأي".[lxiv]

فور ذلك، سارع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بنشر نفي لما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية.[lxv]

هذه الحادثة تظهر أنّ الوصول إلى المعلومات الموثوقة هو حق أساسي ويظل ضروريًا؛ ومن المفارقات أيضًا أن نلاحظ أنّ نشر "الأخبار الزائفة" يكون غالبًا صادرًا عن وكالات الأنباء الحكومية نفسها.

2.7. تمرين بسيط للتمييز بين الإعلام والتضليل، يستفيد منه جميع المواطنين

بما أنّ إحدى مهام الكرامة هي تنوير المجتمعات المدنية إعلاميًا بحقوقها غير القابلة للتصرّف، ونظرًا لأنّ الحق في الحصول على معلومات موثوقة يشكلّ أحد هذه الحقوق، نقترح في الختام تمرين بسيط ومفيد يتيح التمييز بين الإعلام والتضليل. هذا التمرين الموجّه إلى الشباب والطلاب الجزائريين يضع بين أيديهم مفاتيح بسيطة لقراءة سليمة للأحداث من خلال تمكينهم من ممارسة تفكيرهم النقدي في مواجهة الدعاية والتضليل، وقد أدرجنا هذا التمرين في الملحق.

8. الخلاصة

في الختام، لن نكلّ أو نملّ من تكرار بأنّ محاولة التضليل لإدماج الحركات الشعبية في منطقتنا ضمن "الثورات الملوّنة" هو إنكار الاستقلالية الفكرية والأخلاقية والسياسية للأفراد والشعوب الذين يشاركون في هذه الحركات وهو أيضًا انتقاص من شأن المطالب التي يرفعونها وازدراء لها. ومن واجبنا مواجهة عملية التشويه والتصدّي للصور النمطية الاستعمارية الجديدة التي ترسم العالم العربي في صورة مصدر لانعدام الأمن وتهديد للاستقرار، وباعتباره عالم يسكنه أفراد يتعيّن التحكّم فيهم ومراقبتهم وكلها صور نمطية سهّلت ترسيخ تحكّم الديكتاتوريات التي جثمت على صدر الشعوب ولم يمكن إزاحتها حتى الآن.

ألا بد أيضًا من العمل مسلَّحين بقناعة راسخة بأنّ لا شيء يدوم إلى الأبد وأنّ هذه الأنظمة السياسية التي تفرض نفسها باستخدام العنف ونشر الخوف يمكن إزاحتها.

من خلال بلورة نظريات المؤامرة وتغذيتها لتشويه سمعة الحراك يتصرّف أحمد بن سعادة بنفس الطريقة التي تعاملت بها فرنسا الاستعمارية لاستعباد المواطن الجزائري، عندما جرّدته من كل استقلالية في القرار، ومحاولتها جعله قابل للتلاعب به. وكان ضروريًا من منظور المستعمر "تربية" الفرد المستعمَر حتى لا يقع في فخ "محرّري" الحركة الوطنية. واليوم بما أنّ المواطنين الجزائريين الذين يجوبون الشوارع يوم الجمعة غير قادرين تمامًا، وفق نظرية المؤامرة، على رؤية أنّ "الذين نصبوا أنفسهم قادة للحراك" ليسوا سوى عملاء لقوى أجنبية يحاولون "تلوين" ثورتهم، فلا بد إذن من تشويه سمعتهم وضرب مصداقيتهم والتشكيك في أيّ خطاب يدعو إلى احترام حقوقهم وحرياتهم.

لو أُجريَ أيّ تحليل موضوعي للوضع سيُظهر لا محالة وبجلاء أنّ واقع الحراك بعيدٌ كلّ البعد عن الرؤية الضيّقة المنحازة التي يتبنّاها أحمد بن سعادة ويروّج لها ويتعارض مع حـجّته التي تحاول بأيّ ثمن إدخال الحركة الجزائرية عنوة داخل قالب لا يناسبها ولا يمت لها بصلة.

من جانبنا، مكّنتنا 15 سنة من النشاط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في "العالم العربي" من ملاحظة أنّ هذا الحراك هو حلقة من حلقات التغيير الهيكلي الحتمي وأنه من المستحيل تمامًا العودة بالمجتمع إلى الوضع السابق مهما كانت الوسائل المستخدَمة لوقف مسار التغيير ومهما كان الدعم المقدّم للديكتاتوريين العرب.

خلال العقد المنصرم، شهدنا نقلة نوعية حقيقية أتاحت لنا إمكانية توّقع التغيير المجتمعي القادم الذي جاء بعد عملية وعي بوتيرة متسارعة وسط الجيل الجديد الذي تبنى أيضًا بإصرار قضية حقوق الإنسان.

هذا ما يحدث مباشرة في الحراك في الجزائر، من خلال التعبير عن المطالب التي يتأكد بُعدها السياسي يومًا بعد يوم بشكل مطرد والتي تطوّرت في غضون سنة واحدة من مطلب إلغاء "العهدة الخامسة" إلى المطالبة بإقامة دولة مدنية بدلًا من الدولة العسكرية، دولة تحترم الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع ويسودها القانون.

تميّزت مهمّتنا على الدوام بالحرص والتأكيد بأنّ حقوق الإنسان ليست بعيدة المنال وليست صعبة الحصول وأنها ليست منّة أو صدقة من أيّ طرف، بل ننظر إليها على أنها قيمة كامنة في كرامة الإنسان، الكرامة التي يتمتّع بها الجميع على قدم المساواة.  وهذا ما تصبو إليه كل الانتفاضات الشعبية بما في ذلك الحراك في الجزائر. أمّا المعلومات المضلّلة التي تحاول تصوير المطالب المشروعة على أنها مساس بأمن الدولة – التي تتحمّل هي نفسها المسؤولية عن انعدام الأمن البشري لمواطنيها – فلا يمكن اليوم التغاضي عنها وتركها تمرّ دون انتقادها وكشف زيفها.

في وقت يمرّ فيه العالم بفترة تاريخية تتّسم بتراجع المبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية العالمية، يواصل العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء السلام والمواطنين أنفسهم هذه المعركة ضدّ الظلم، رغم ما يعترضهم من شدائد ومزيد من العقبات المستمرّة، مسلّحين دومًا بعبقرية متجدّدة. وهذه الحركات هي التي ندعمها من دون أيّ أجندة أخرى باستثناء واجبنا القائم على حماية حقّ الجميع في التمتّع بجميع الحقوق والحريات.

الملحق

في سنة 1994 أنشأت مكتبات كلية نورث بارك (North Park College) في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة برنامجًا للطلاب سمح لهم بالتمييز بين البحث العلمي الأكاديمي الحقيقي وبين الدعاية.

جاءت مثل هذه الورشات التكوينية لمواجهة انتشار الكتب التي تبدو أكاديمية في مظهرها، أو على الأقل تدّعي تقديم تحليل علمي وموضوعي لحالة ما، ليتّضح لاحقًا أنها معلومات مضللة بل حتى دعاية.[lxvi] كان الهدف من هذا التدريب هو تمكين الطلاب من استخدام مهاراتهم في التفكير النقدي "لفضح" مؤلفات الدعاية التي بإمكانها أن تثير إعجابهم للوهلة الأولى (نظرًا لمستوى تعليم المؤلف، على سبيل المثال).

كيف يمكن تجنيب الطلاب من الوقوع في فخ الكتب – أو أيّ وسيلة أخرى – تقدّم "أفكارًا جاهزة"، تقوم على الصور النمطية والأحكام المسبقة وتقدّم نفسها على أنها دراسات موضوعية لحالة ما؟ كيف يمكن تعليمهم التمييز بين التحليل الموضوعي للمؤلف الذي يرغب في مشاركة وجهة نظر مع غيره وبين التحليل المنحاز لدعاية يريد صاحبها فرض تحليله الخاص ليس إلا؟ كان الحل إذن في منح مفاتيح القراءة النقدية لأيّ عمل، لكن لم يكن الأمر خاليًا من الصعوبات بالنسبة للطلاب. ومن خلال هذا التدريب، ساعدتهم أعمال عالمة الاجتماع إيلين غام بريل (Eileen Gam-Brill) في تحديد بعض عناصر التمييز.

توّضّح الباحثة أنّ هناك أوّلًا وقبل كلّ شيء نوعان من الأعمال غير العلمية، من جهة أعمال المؤلفين المتحيّزين الذين يؤسّسون أعمالهم على الأحكام المسبقة دون أن يدركوا بالضرورة أنها كذلك، ويحاولون إقناع القراء، فالتحيّز موجود في هذه الحالة من غير وعي منهم. فهم يستخدمون التفكير الخاطئ بهدف إنتاج قبول من دون فحص نقدي أو بالدفع نحو قبول عاطفي من خلال الإشارة إلى مخاوف جماعية يزرعونها في ذهن القارئ (في حالتنا يستخدمون عادة الخوف من "التدخّل الخارجي" و"الإسلاموية"). وهناك المرّوجون للدعايات الذين يدركون تمامًا طبيعة أعمالهم ومصالحهم فيخفوها عن قصد عن قرائهم. وتكون رسائلهم مصاغة بطريقة ملتوية لجعلها مقبولة دون نقد.

أجرى عالم الأخلاق الفرنسي جاك إيلول (Jacques Ellul) أبحاثًا في العواقب الأخلاقية الناجمة عن الدعاية في العالم المعاصر، واعتبر أنّ عالمنا "يحب" الوقائع ويعتبرها الحقيقة المطلقة من حيث إنها تسمح لنا باستخلاص الأدلة الملموسة (حدث هذا في يوم كذا وكذا، إلخ). وتستخدم الدعاية "الحقائق" لكنها تُحرّفها من خلال إعطائها تفسيرات خاطئة تتعارض مع الحقيقة. فالدعاية تتلاعب بهذه الحقائق وتطوّعها ومن أجل دعم حجتها تُنشئ أنواعًا مختلفة من "الحقيقة": "نصف الحقيقة"، "الحقيقة المحدودة"، "الحقيقة خارج السياق". لهذا السبب فإننا جميعًا عرضة إلى حدّ كبير لأفاعيل الدعاية فهي تستند إلى الحقائق وبالتالي نعتقد أنها الحقيقة، في حين يقع الكذب أبعد من حيّز الحقائق لأنه يكمن في تفسيرها، في وضعها في سياق معيّن، في اختلاق الروابط والتفاعلات من لا شيء بين واقعة وأخرى، للتلميح إلى أشياء زائفة دون الحاجة إلى أساس صحيح...[lxvii]

للتمييز بين الدعاية والأعمال العلمية ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أنّ العمل الأكاديمي يميل إلى طرح ومناقشة وجهات نظر مختلفة ومتنوّعة حول موضوع ما قبل تقديم الحجج لدعم ما يعتبره وجهة النظر الأكثر ترجيحًا. أمّا الدعاية فتتّجه عكس ذلك لأنها تهدف إلى تقديم وجهة نظر واحدة باعتبارها وجهة النظر الوحيدة الصالحة حول نفس الموضوع. ولهذا السبب تمّ تعريف الدعاية على أنها "التعبير عن رأي أو فعل يقوم به أفراد أو جماعات عن قصد بهدف التأثير على آراء أو أفعال أفراد أو مجموعات أخرى لغرض محدّد واحد أو أكثر وذلك من خلال التلاعب النفسي".

أسفرت الدراسة الاجتماعية التي أُجرِيَت مع عدد من الطلاب عن مجموعة من المؤشرات تسمح للطلاب بسهولة التمييز بين الأعمال العلمية والدعاية. ويشترط في قِيَم العلم والبحث عن الحقيقة توفّر التواضع الفكري وقوة العزيمة والقدرة على استخلاص الدروس والوعي الذاتي والإنصاف والعدل والاتساق والميل نحو الاعتدال والمعقولية. وأسفرت الدراسة عن الجدول الآتي:

 

الجدول 1. مؤشرات للتمييز بين الدعاية والأعمال العلمية[lxviii]

الفرق بين الدعاية والأعمال العلمية

الأعمال العلمية

الدعاية

تبحث عن الحقيقة وتعترف بنقائصها عندما تكون غير متأكدة من واقعة ما. تضيف عنصر "التحذير".

تستعمل درجات متعدّدة من الحقيقة ("نصف الحقيقة"، "الحقيقة المحدودة"، "الحقيقة خارج السياق") والأكاذيب.

تقدّم وجهات نظر أخرى وقد تضم حتى وجهات نظر مخالفة في عرضها.

تقدّم وجهة نظرها على أنها وجهة النظر الصحيحة الوحيدة.

تحاول أن تكون عادلة وتعترف بأنها تتبني موقف أو وجهة نظر دون إخفاء الأمر.

تتعمد تضليل القارئ بتقديم وجهة نظرها على أنها الحقيقة الوحيدة.

تحلل البيانات والحقائق بعناية سواء كانت تدعم فرضيتها أو تخالفها.

تتلاعب بالجداول والمخططات والإحصائيات والمستندات والحقائق لدعم فرضيتها.

تدعو إلى التفكير النقدي لحلّ المشكلة وتوفّر سبلًا متعدّدة للتفكير.

تقدّم إجابات وحلول جاهزة للمشاكل التي لا تقبل مناقضتها.

إذا نجح التحليل العلمي، فمن شأنه أن يحثّ الباحثين الآخرين لمواصلة أبحاثهم حول الموضوع المطروق وإلهام القراء على مواصلة تفكيرهم دون تصوّرات مسبقة باتّباع مقاربة نقدية.

في حالة نجاح الدعاية، فإنها تؤدي إلى تغيير في موقف القارئ و/أو في الدافع الذي يرغب فيه صاحب الدعاية (على سبيل المثال، رفض فئة من الناس من طرف المجتمع واعتماد معتقدات معيّنة وما إلى ذلك).

 

بعبارة أخرى، العمل العلمي بمثابة محاولة صادقة لتمثيل وجهة نظر معيّنة، بينما الدعاية تشكّل محاولة متعمدّة للتضليل أو المبالغة.[lxix] الدعاية الناجحة هي الدعاية التي تستطيع تغيير المواقف و/ الدوافع في العمل وفق ما يريده صاحب الدعاية.

ما يلاحَظ، هو أنه في المجتمعات التي تكون فيها المعلومات غير موثوقة والصحافة غير حرّة، توفّر الدعاية إحساسًا بالسيطرة على الفوضى وتوهم الناس بأنها تقدّم حلولًا ناجعة للمشاكل. وهذه الحلول الزائفة التي يطرحها المرّوجون للدعاية تدمّر الحسّ النقدي لدى كل من يتبنّاها، وبالتالي يطرح "التفكير الجاهز" نفسه كسبيل مريح في الأوقات المضطربة.

أخيرًا، إذا كان بوسع المرء مناقشة الشخص الذي يقدّم وجهة نظر مدروسة، فالأمر يتعذّر مع مروّج الدعاية الذي يعتبر وجهة نظره هي فقط التي تهمّ، وإذا عارضته بحجج منطقية سيواجهك بنفس الحجج القائمة على التفسيرات الخاطئة، ولن يتردّد في اتهامك بأنك "عدو للحقيقة"، والأخطر من ذلك سيتهمك في أوقات الأزمات السياسية بأنك "عدوّ للشعب"[lxx] أو للأمة، ويعرضك لأسوأ حملات الاضطهاد إذا كان متربعًا على السلطة.

 

 

[1]  بهذا الشأن، شجب الخبراء المستقلّون التابعون للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا ممارسات هذه الدول المتمثّلة في اتهام المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والمعارضين السياسيين وغيرهم من النشطاء السلميين ووصمهم بالإرهاب أو بالإشادة بالإرهاب.

[2] يمنح الاختصاص القضائي العالمي القاضي القدرة على التحقيق في الجرائم ومقاضاة مرتكبيها بغضّ النظر عن مكان ارتكابها وبغضّ النظر عن جنسية الجاني وجنسية الضحية.  انظر Vandermeersch Damien "الفصل الثالث. الاختصاص القضائي العالمي"، في: أنطونيو كاسيسي، المحاكم الوطنية والجرائم الدولية. باريس، مطبعة جامعة فرنسا « Hors collection », ص 586-611.

[3]  نعني بكلمة "أورويلية" هنا التقنيات اللغوية للدول الشمولية التي تقدّم الظلم في رداء العدالة، والاستثناء على انه القاعدة، وفيما يتعلق بنا تقديم المدافعين السلميين عن حقوق الإنسان أو ببساطة من يطالبون بمزيد من الحقوق والحريات وآفاق لمستقل وتكافؤ الفرص على أنهم إرهابيون إسلاميون خطرون يجب "قمعهم". يوضح جورج أورويل هذه الفكرة المزدوجة بتعبيره المشهور: "وزارة السلام تعتني بالحرب، ووزارة الحقيقة بالأكاذيب، ووزارة الحب بالتعذيب، ووزارة الوفرة بالمجاعة. هذه التناقضات ليست عرضية وليست نتيجة نفاق عادي، إنها تمارين متعمّدة في التفكير المزدوج. جورج أورويل، Nineteen Eighty-Four. Secker & Warburg ، لندن 1949.

[4]  الصفة الاستشارية لدى مجلس المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة هي صفة تُمنح للمنظمات غير الحكومية وتتيح لها المشاركة في المؤتمرات الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة وأخذ الكلمة فيها. تدير عملية الاعتماد لجنة المنظمات غير الحكومية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الكائن مقرّها في نيويورك. وتبقى هذه العملية بين أيدي الدول التي يمكنها أن تمنع المنظمات غير الحكومية من الحصول على الصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي من أجل معاقبتهم وعرقلة عملهم داخل الأمم المتحدة. انظر على سبيل المثال تقرير المقرّر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات، UN Doc. A / 69/365 ، 1 سبتمبر 2014 ، الفقرة 72 وما يليها.

[5]  أحمد بن سعادة "من هم هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم قادة للحراك الجزائري؟" الجزائر العاصمة، APIC، 2020، ص63، متبنيًا نبرة ازدراء لإجراءات اتهام كريم طابو "توجيه لائحة اتهام بعد يوم من اعتقاله؟". نبغي توضيح أنّ كريم طابو لم يوضع رهن الاعتقال لدى الشرطة وأنه أوقف مباشرة على ذمة التحقيق. (انظر: رد حكومة الجمهورية الديمقراطي الشعبية الجزائرية على النداء العاجل AL DZA 3/2020 بتاريخ 14 أبريل 2020 بشأن قضية كريم طابو، 2 يونيو 2020: متاح على الإنترنت على هذا العنوان: https://spcommreports.ohchr.org/TMResultsBase/DownLoadFile?gId=35327

 

[6]  تجدر الإشارة إلى أن اللجنة أعربت من جديد في ملاحظاتها الختامية المتعلّقة بالتقرير الدوري الرابع للجزائر عن قلقها بشأن المواد 144، 144 مكرّر، من قانون العقوبات التي "تواصل تجريم أو المعاقبة بالغرامات على الأنشطة المتعلّقة بممارسة حرية التعبير، مثل التشهير أو ازدراء الموظفين أو مؤسسات الدولة ". انظر: لجنة حقوق الإنسان، الملاحظات الختامية على التقرير الدوري الرابع للجزائر، CCPR / C / DZA / CO / 4 ، 17 أغسطس 2018 ، فقرة 43.

[7] وهذا ما ورد في نشرة أخبار التلفزيون الحكومي باللغة الفرنسية: "بيان صادر عن عصام المحمدي باسم "مكتب التقاضي بالأمم المتحدة" الذي يُزعم أنه أشار إلى أن الشكوى التي قدّمها نشطاء سياسيون جزائريون ضد السلطات الجزائرية قد رُفضت بعد 24 ساعة من تقديمها وفحصها، يضيف هذا المسؤول، أنّ الشكوى تمّ رفضها لجملة من الأسباب من بينها عدم تطابقها مع تقارير منظمة حقوق الإنسان بالجزائر، وبعض الممضيين على العريضة لديهم سجل إجرامي وجميع الموقعين لم يكونوا مقيمين في الجزائر لمدة عشر سنوات، ومقدّمو العريضة لهم جنسية مزدوجة وبعضهم لا يحمل حتى الجنسية الجزائرية، وقال المحمدي إنّ رفض الشكوى يعكس ترتيب الجزائر بين الدول العربية التي تكرّس فيها حرية التعبير وحماية حقوق الإنسان".

 

 

[i] أحمد بن سعادة "من هم هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم قادة للحراك الجزائري؟"

[ii] " (Droits-de-I'hommisme) "والقانون الدولي، محاضرة ألقاها في 18 يوليو 2000 البروفيسور آلان بيليه، أستاذ القانون الدولي في جامعة باريس X نانتير، عضو لجنة القانون الدولي.

[iii] إديث ساليس ويليمين، التصنيف والقوالب النمطية في علم النفس الاجتماعي، UNOD ص 365، 2006.

[iv] جوردون دبليو ألبورت، طبيعة التحيز،Basic Books ، 1979، ص. 6.

https://www.franceculture.fr/histoire/droit-de-lhommisme-histoire-dun-neologisme-pejoratif

[v] Chloé Leprince، ""Droit-de-l'hommisme" قصة مصطلح مستحدث بخلفية تحقيرية" 10 ديسمبر 2018، Savoirs، متاح على الرابط:

 https://www.franceculture.fr/histoire/droit-de-lhommisme-histoire-dun-neologisme-pejoratif

[vi] الأستاذ آلان بيليه، "رداء الدفاع عن حقوق الإنسان (Droits-de-I'hommisme )" والقانون الدولي، محاضرة جيلبرتو أمادو التذكارية، 18 يوليو 2000 ، متاحة على الإنترنت:

http://pellet.actu.com/wp-content/uploads/2016/02/PELLET-2000-Droit-de-lhommisme-et-DI.pdf

[vii] مجلس حقوق الإنسان، الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، بيانات، القضايا التي تم فحصها، الملاحظات والأنشطة الأخرى التي قام بها الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، الجلسة 108 (8-12 فبراير 2016)، وثيقة الأمم المتحدة، A / HRC WGEID / 108/1، 15 أبريل 2016، ص21 بخصوص أربعة شبان عراقيين اعتقلتهم القوات المسلحة الأمريكية في بغداد بين عامي 2005 و2011 وما زالوا مفقودين حتى يومنا هذا. انظر أيضًا: الكرامة، "العراق: اختفاء ثلاثة مواطنين عراقيين اعتقلهم الجيش الأمريكي سنة 2005"، 27 يونيو 2014، على الإنترنت:

https://www.alkarama.org/ar/articles/alraq-akhtfa-thlatht-mwatnyn-raqyyn-atqlhm-aljysh-alamryky-snt-2005

الكرامة "العراق: اختفاء إثنين من رجال الشرطة بعد توقيفهما من قبل الجيش العراقي والأمريكي" 3 سبتمبر 2015، متوفر على الرابط:

https://www.alkarama.org/ar/articles/alraq-akhtfa-athnyn-mn-rjal-alshrtt-bd-twqyfhma-mn-qbl-aljysh-alraqy-walamryky

[viii] تقرير لجنة مناهضة التعذيب، الدورة الحادية والخمسون (28 أكتوبر - 22 نوفمبر 2013)، UN.Doc. A / 69/44.

[ix] تقرير لجنة مناهضة التعذيب، الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الدورة الثانية والسبعون، الملحق رقم 44 (A / 72/44)، الفقرات 58-71.

[x] الكرامة: اليمن / الولايات المتحدة الأمريكية: ترخيص بالقتل، لماذا تنتهك طائرات الدرونز الأمريكية باليمن القانون الدولي، متوفر بالعربية والانجليزية على الرابط:

https://www.alkarama.org/ar/articles/alymn-alwlayat-almthdt-alamrykyt-trkhys-balqtl-lmadha-tnthk-hrb-tayrat-aldrwnz-alamrykyt

[xi] الكرامة: تقرير جديد: سياسة القصف بطائرات الدرونز الأمريكية في اليمن تخلف أثارا نفسية خطيرة على المدنيين وتشكل سابقة خطيرة للمجتمع الدولي، 26 يوليو 2015، متوفر على الانترنت باللغة العربية والانجليزية:

https://www.alkarama.org/ar/articles/tqryr-jdyd-syast-alqsf-btayrat-aldrwnz-alamrykyt-fy-alymn-tkhlf-athara-nfsyt-khtyrt-ly

[xii] أحمد بن سعادة، المصدر نفسه.

[xiii] مايكل روبين "الكرامة تعزز صلتها بالقاعدة" ، مجلة The Commentary ، 7 فبراير 2014 ، متاح على الإنترنت:

https://www.commentarymagazine.com/michael-rubin/alkarama-doubles-down-on-al-qaeda/

تجدر الإشارة أن مجلة كومنتاري هي مجلة شهرية تنتمي لليمين من المحافظين الجدد، أنشأتها اللجنة اليهودية الأمريكية في عام 1945 للدفاع عن أفكار المحافظين الجدد والمؤيدين لإسرائيل.

[xiv] الإمارات تنشر قائمة بالمنظمات الإرهابية، Gulf News، 15 نوفمبر 2014، متوفرة على الانترنت:

https://gulfnews.com/uae/government/uae-publishes-list-of-terrorist-organisations-1.1412895

[xv] انظر ميثاق منظمتنا على الانترنت:

https://www.alkarama.org/fr/a-propos/comment-nous-travaillons

[xvi] للمطالعة على جميع المساهمات والمقارنة، يمكن الوصول إلى جميع المساهمات على هذه الصفحة من موقع الأمم المتحدة:

https://www.ohchr.org/EN/HRBodies/UPR/Pages/UPRUnitedArabEmiratesStakeholdersInfoS29.aspx

[xvii] رئيس «ماعت للسلام»: بيان المفوضية السامية «سياسي».. وكشفنا أكذوبة الاختفاء «القسري» في مصر: Shourouq News، 20 أكتوبر 2018، متوفر على الانترنت:

https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=20102018&id=a99257ef-5d0a-4e8d-8b40-af51d3e2a9da

[xviii] Middle-East Monitor، "داخل العالم السري لمنظماتGONGOS" " بالخليج،22 سبتمبر 2014، متاح على الرابط:

https://www.middleeastmonitor.com/20140922-inside-the-secret-world-of-gulf-gongos/

[xix] انظر على سبيل المثال، قطر: الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل تسلط الضوء على السجل الحقوقي للبلاد، 31 مايو 2019، متوفر بالانجليزية:

https://www.alkarama.org/en/articles/qatar-third-upr-cycle-sheds-light-countrys-human-rights-record

والعربية:

https://www.alkarama.org/ar/articles/qtr-aldwrt-althaltht-llastrad-aldwry-alshaml-tslt-aldw-ly-alsjl-alhqwqy-llblad

[xx] مجلس حقوق الإنسان، الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، الآراء التي اعتمدها الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في دورته الحادية والثمانين (17-26 أبريل 2018)، الرأي رقم 29/2018، بشأن عبد الرحمن بن عمير راشد جبر النعيمي (قطر).

[xxi] أندرو هدسون، "ليس ذخر عظيم: نظام مكافحة الإرهاب التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: انتهاك حقوق الإنسان"، مجلة بيركلي للقانون الدولي، 2007، المجلد. 25، ص. 203-227.

[xxii] الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، رأي رقم 29/2018، بشأن عبد الرحمن بن عمير راشد جبر النعيمي (قطر)، مرجع سابق.

[xxiii] تأثير تدابير مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على الفضاء المدني وعلى حقوق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، تقرير المقررة الخاصة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان الإنسان والحريات الأساسية في إطار مكافحة الإرهاب، UN.Doc. A / HRC / 40/52 ، 1 مارس 2019 ، الفقرة. 17.

[xxiv] المصدر نفسه، ا لفقرة 20.

[xxv] انظر الكونفديرالية السويسرية، سجل التجاري، الكرامة، متوفر على الانترنت:

 https://www.shab.ch/shabforms/servlet/Search?EID=7&DOCID=1641359

[xxvi] مايكل روبن "يجب على هيومن رايتس ووتش أن تلغي التقارير"، مجلة Commentary 3 يناير 2014، متوفر على الانترنت:

https://www.commentarymagazine.com/michael-rubin/human-rights-watch-should-rescind-reports/

[xxvii] "المدير سابق لمنظمة غير حكومة في جنيف متهم بعلاقات مع القاعدة"، Tribune de Genève، 1 أكتوبر 2014، متوفر على الانترنت:

https://www.tdg.ch/geneve/actu-genevoise/ancien-president-dune-ong-genevoise-accuse-liens-alqaida/story/11153159

[xxviii] رشيد مصلي "صعوبة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي" Le Temps، 20 نوفمبر 2014، متوفر على الانترنت:

https://www.letemps.ch/opinions/difficulte-defendre-droits-lhomme-monde-arabe

[xxix] "قائمة المجموعات المصنفة كمنظمات إرهابية من قبل دولة الإمارات العربية، The National UAEـ 16 نوفمبر، 2014، متوفر على الإنترنت:

https://www.thenational.ae/uae/government/list-of-groups-designated-terrorist-organisations-by-the-uae-1.270037

[xxx] سيلفان بسون، أجهزة الاستخبارات السويسرية تستهدف إسلاميين تابعين لقطر، Le Temps، 5 يناير 2018، متوفر على الانترنت:

https://www.letemps.ch/suisse/services-secrets-suisses-ciblent-islamistes-proqatar

[xxxi] الكرامة، محكمة في جنيف تدين يومية Le Temps سبب مقالة تشهيرية ضد الكرامة، 24 ديسمبر 2018، متوفر على الانترنت:

https://www.alkarama.org/fr/articles/le-quotidien-le-temps-condamne-par-la-justice-genevoise-pour-un-article-diffamatoire

[xxxii] فرنسا لن تسلم المعارض الجزائري مراد دهينة، صحيفة  Le Monde، مع وكالة AFP، 4 يوليو 2012.

[xxxiii] الكرامة، محكمة الاستئناف بطورينو، تسمح لرشيد مسلي بمغادرة التراب الإيطالي، 16 سبتمبر 2015، متوفر على الانترنت:

https://www.alkarama.org/fr/articles/la-cour-dappel-de-turin-autorise-rachid-mesli-quitter-litalie

[xxxiv] رشيد مصلي "صعوبة الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي" نفس المرجع.

[xxxv] أوليفيي ف، "مدينة جنيف موّلت منظمة غير حكومية متهمة بعلاقات مع القاعدة" Le Temps، جنيف، متوفر عل ى الانترنت:

https://www.letemps.ch/suisse/ville-geneve-finance-une-ong-accusee-liens-alqaida

[xxxvi] انظر أيضا: ISHR "عراقيل في الوصول ومشاركة المجتمع المدني في آليات الأمم المتحدة، التخويف، التقييد والانتقام: 10 دراسات حالة" تقرير متوفر على الانترنت:

https://www.ishr.ch/sites/default/files/documents/mappingreport_fr_web.pdf

[xxxvii] انظر: المجلس الاقتصادي والاجتماعي يرفض منح المركز الاستشاري لمنظمة غير حكومية، لها علاقات مزعومة بالإرهاب، متوفر على الانترنت:

https://www.un.org/press/en/2017/ecosoc6867.doc.htm

[xxxviii] انظر صفحتها على موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هنا:

https://www.ohchr.org/EN/Issues/Terrorism/Pages/SRTerrorismIndex.aspx

[xxxix] انظر تقرير "تأثير تدابير مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على الفضاء المدني وعلى حقوق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مكافحة الإرهاب" UN Doc. A/HRC/40/52, 1er mars 2019, par. 4.

[xl] تعليقات من مساعد الأمين العام لحقوق الإنسان، أندرو جيلمور، في الحدث الجانبي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان "التخويف والانتقام من الذين يتعاملون مع الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان: دراسة الاتجاهات والأنماط"، نيويورك، 24 أكتوبر2018، متوفر على الانترنت:

https://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=25511&LangID=E

[xli] المرجع نفسه.

[xlii] ولايات المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير والمقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، المرجع: OL OTH 29/2017 4 يناير 2018، متوفر على الانترنت بالانجليزية:

https://www.ohchr.org/Documents/Issues/Opinion/Legislation/OL-OTH-29-2017.pdf

[xliii] المرجع نفسه، ص 3.

[xliv] بلحيمر: الحراك، حركة "اخترقتها تيارات سياسية معينة"، الاثنين 16 مارس2020، وكالة الأنباء الجزائرية، متاح على الإنترنت:

http://www.aps.dz/algerie/103092-belhimer-le-hirak-un-mouvement-parasite-par-certains-courants-politiques

[xlv] تعليقات من مساعد الأمين العام لحقوق الإنسان، أندرو جيلمور، في الحدث الجانبي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان "التخويف والانتقام من الذين يتعاملون مع الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان: دراسة الاتجاهات والأنماط"، نيويورك، 24 أكتوبر2018، متوفر على الانترنت:

https://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=25511&LangID=E

[xlvi] جان بيير فيليو، "تصفية الحسابات بين الجنرالات الجزائريين"، Le Monde، 25 أغسطس 2019، متاح على الإنترنت:

https://www.lemonde.fr/blog/filiu/2019/08/25/reglements-de-compte-entre-les-generaux-algeriens/

[xlvii] عدلان مدي، "الجزائر: نظرة معمقة في يوم حشد غير مسبوق ضد ترشيح بوتفليقة"، Le Point، 22 فبراير 2019، متاح على الإنترنت:

https://www.lepoint.fr/afrique/algerie-retour-sur-une-journee-de-mobilisation-inedite-contre-la-candidature-de-bouteflika-22-02-2019-2295605_3826.php

[xlviii] نظر أيضًا الملاحظات الختامية للجنة حقوق الإنسان بشأن الجزائر، CCPR / C / DZA / CO / 4 ، 17 أغسطس 2018.

[xlix] فريد عليلات، الجزائر: لماذا يتم انتقاد تعديلات قانون العقوبات؟ 27 أبريل 2020، Jeune Afrique، متاح على الإنترنت:

https://www.jeuneafrique.com/935520/societe/algerie-pourquoi-les-amendements-du-code-penal-sont-ils-critiques/

[l] تأثير تدابير مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على الفضاء المدني وعلى حقوق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مكافحة الإرهاب "، مرجع نفسه، فقرة 54.

[li] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 1، متاح على الإنترنت:

https://www.ohchr.org/fr/professionalinterest/pages/ccpr.aspx

[lii] لجنة حقوق الإنسان، التعليق العام رقم 12: المادة 1، الحق في تقرير المصير، متاح على الإنترنت:

https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/treatybodyexternal/Download.aspx?symbolno=INT%2fCCPR%2fGEC%2f6626&Lang=en

[liii] العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، متاح على الإنترنت:

https://www.ohchr.org/fr/professionalinterest/pages/cescr.aspx

[liv] لجنة حقوق الإنسان، الملاحظة العامة رقم 12: المادة 1، الحق في تقرير المصير، مرجع سابق.

[lv] يرجى زيارة صفحة لجنة حقوق الإنسان، على الرابط التالي:

https://www.ohchr.org/FR/HRBodies/CCPR/Pages/CCPRIndex.aspx

ثم راجع قسم "الملاحظات العامة" من أجل العثور بالتفصيل على المعنى لكل حق يحميه العهد.

[lvi] انظر: لجنة حقوق الإنسان، ملاحظة عامة رقم 37 (2020) بشأن الحق في التجمع السلمي (مادة 21) ، الأمم المتحدة Doc CCPR / C / GC / 37  ، 17 سبتمبر 2020.

[lvii] المرجع نفسه.

[lviii] لجنة حقوق الإنسان، الملاحظة العامة رقم 34، المادة 19: حرية الرأي والتعبير، UN.Doc CCPR / C / GC / 34 ، 12 سبتمبر 2011.

[lix] مكتب التقاضي التابع للأمم المتحدة يرفض الشكوى ضد السلطات الجزائرية، 1 سبتمبر 2020، متاح على الإنترنت:

http://www.aps.dz/algerie/109221-le-bureau-des-contentieux-de-l-onu-rejette-la-plainte-introduite-contre-les-autorites-algeriennes 

[lx] انظر على الإنترنت: https://bit.ly/2HgpQzd

[lxi] الأخبار باللغة الفرنسية متاحة على الإنترنت على هذا العنوان، في 5 دقائق و 23 ثانية:

https://www.youtube.com/watch?v=IOffvI5nheo

[lxii] إعلان مشترك بشأن حرية التعبير و"الأخبار الكاذبة"، والمعلومات المضللة والدعاية، بيان مشترك صادر عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، وممثل منظمة للأمن والتعاون في أوروبا بشأن حرية الإعلام، والمقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية (OEA) حول حرية التعبير والمقرر الخاص للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المعني بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات. بتاريخ 3 مارس 2017، يشار إليه في "الإعلان المشترك"، المبدأ 2 (ج)، متاح على الإنترنت: https://www.osce.org/fom/302796

[lxiii] المرجع نفسه، الإعلان المشترك، المبدأ 3 (أ).

[lxiv] المرجع نفسه، الإعلان المشترك، الديباجة.

[lxv] الجزائر-الأمم المتحدة: الكرامة تراسل المفوضية السامية بعد حملة التضليل الرسمية التي تزعم أن الأمم المتحدة رفضت شكوى ضد الجزائر، 4 سبتمبر 2020، متاح على الإنترنت:

https://www.alkarama.org/fr/articles/algerie-onu-alkarama-saisi-le-haut-commissariat-suite-la-campagne-officielle-de

انظر تفنيد المفوضية السامية لحقوق الإنسان: مفوضية الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تسلّط الضوء على معلومات مضللة حول الجزائر، 4 سبتمبر 2020، متاح على الإنترنت.

https://www.ohchr.org/FR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=26208&LangID=F

[lxvi] سونيا بودي، "دراسة علمية أم دعاية: كيف يمكن لأخصائيين مساعدة الطلاب الجامعيين في معرفة الفرق؟ "The Journal of Academic Librarianship، 1 يناير 1995، مجلد 21، رقم 1، ص. 21-25.

[lxvii] جاك إلول، الدعايات، باريس،Economica ، 1990، ص 361.

[lxviii] سونيا بودي، "دراسة علمية أم دعاية"، مرجع سابق.

[lxix] جاك إلول، دعايات، مرجع سابق. ذكر، ص. 147-149.

[lxx] إيما غراهام هاريسون، "عدو الشعب: عبارة ترامب وأصدائها الشمولية"، The Guardian، متاح على الانترنت:

https://www.theguardian.com/us-news/2018/aug/03/trump-enemy-of-the-people-meaning-history