وفي دورة 8 نيسان/ابريل 2008 التي خصصت للمراجعة في إطار فريق العمل أطنب ممثلو الدول في ضروب المجاملة بدلا من إجراء مراجعة موضوعية ودقيقة لأوضاع حقوق الإنسان في تونس. وبالرغم من تلك المجاملة الواضحة، ألح مع ذلك الوفد التونسي برئاسة وزير العدل على أن هذه الآلية الجديدة ينبغي لها أن تسلط الضوء على "التقدم الكبير الذي تم تحقيقه في مجال حقوق الإنسان" وليس التركيز على السلبيات.
وفي هذا الجو فإن القضايا التي أثارها ممثلو الدول لم تتعرض قط للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المرتكبة في تونس والتي ما فتئت تندد بها بعض المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، وبشكل منتظم. وتعبيرا عن رفضه تضمين التقرير النهائي بعض "الإشارات الشاذة"، شدد وزير العدل التونسي على ضرورة استبعاد التوصيات "الحرجة" وهو ما أثار ناقشات ساخنة داخل الجمعية العامة، بحيث انتهى الأمر بالتوصل إلى تسوية تنص على التمييز بين التوصيات الحائزة على دعم الدولة محل المراجعة والأخرى المرفوضة من قبل هذه الأخيرة.
ومع ذلك، لم يتضمن التقرير النهائي المخصص لتونس والمطروح للاعتماد أي تمييز، إذ تمت إعادة صياغة التوصيات بحيث حظيت في مجملها على رضا السلطات التونسية، بينما تأسفت بعض الدول على تقديم التقرير في اللحظة الأخيرة مما ضيق من مجال النقاش. أما الممثل الدائم لبلجيكا، فقد أعرب عن أسفه أمام " تجاهل" التوصية التي تقدم بها بلده (الفقرة 63) والمتعلقة بحرية التعبير، وكان ذلك في المرة الأولى في شهر نيسان/ابريل، قبل أن يتم إعادة صياغتها في شهر حزيران/يونيو على نحو مشوه..
وقد وعدت تونس على أن تستقبل في عام 2008 "المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان" وأن "تقدم ثمانية تقارير إلى أجهزة هيئات الأمم المتحدة، منها التقريرين الدوريين، الخامس والسادس، المتعلقين بتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتقرير الدوري الثالث المتعلق بتنفيذ الاتفاقية الدولية لمناهضه التعذيب "، غير أن الوزير التونسي اغفل في بيانه الختامي كل إشارة إلى هذه الالتزامات
كما أن التوصيات الواردة في التقرير لا تتناول واقع أوضاع حقوق الإنسان في تونس، مع العلم أن هذه الوضعية مروعة وتدعو للقلق الشديد : تعذيب واعتقال تعسفي، ومحاكمات جائرة ومضايقات يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وحظر المنظمات غير الحكومية المستقلة وتراجع حرية الصحافة، كل ذلك من الممارسات الشائع سريانها في تونس.
أما القمع، فلم يطل المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان فحسب، بل يستهدف أيضا كل حركات الاحتجاج الاجتماعي. واليوم فقط تشهد مدينة الرديف المنجمية، الواقعة في الحوض المنجمي بقفصة في الجنوب الغربي الذي يعاني من حرمان وفقر مدقع رغم ما تزخر به المنطقة من ثروات معدنية، حالة اضطراب تبعث على القلق الشديد : تعيش المنطقة منذ 5 كانون الثاني / يناير الماضي، حالة غليان، وذلك عقب تنكر سلطات المحافظة لوعودها بتشغيل العاطلين عن العمل في شركة فوسفاط قفصة. أخذ أفراد الشرطة يطلقون الرصاص الحي على السكان ويقومون بالسلب ونهب المتاجر والمنازل، مما نجم عن ذلك 3 قتلى وعشرات الجرحى، ومئات الاعتقالات كحصيلة مؤقتة أدت إلى تمركز وحدات الجيش في كافة أنحاء المدينة،
وتأسف الكرامة على انخداع مجلس حقوق الإنسان أمام مناورات السلطات التونسية التي استغلت مداخلات ممثلي بعض الدول لتبذل كل ما في وسعها للحد من مساهمة المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان. وفي الدورة الأخيرة اعترضت هذه الأطراف على إمكانية السماح للمنظمات غير الحكومية بانتقاد التقرير النهائي، مشددين على حصر مساهمتها في إبداء بعض الملاحظات التقنية.
ولم تتمكن أي من المنظمات غير الحكومية التونسية المستقلة من حضور اجتماع المجلس بسبب الحظر والمضايقات اليومية التي تتعرض لها. وبالفعل لم تستطع سوى ثلاثة تحالفات من كبريات المنظمات الدولية غير الحكومية من التدخل من أصل العشرة تدخلات المسموح بها للمنظمات غير الحكومية وفق ما هو منصوص عليه في لوائح المجلس. أما التصريحات السبعة الأخرى، فمصدرها منظمات غير حكومية من صنع الوفد الرسمي التونسي. وبناء عليه، فقد تعذر قراءة التدخل المشترك للجنة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة الكرامة.
وتأمل الكرامة في هذا الصدد، أن يتمكن المجلس من تصحيح هذا الوضع ليجعل من هذه الآلية أداة
حقيقية من شأنها أن تجبر الدول على احترام التزاماتها بشأن حقوق الإنسان، ومن الضروري إنشاء آلية مناسبة لمتابعة التوصيات، وذلك لتذكير الدول بالتزاماتهاالتي قطعتها على نفسها تلقائيا تجاه مجلس حقوق الإنسان.
المداخلة
التي تعذر قراءتها أثناء أعمال الدورة
المراجعة
الدورية الشاملة، تونس، مداخلة شفوية للجنة العربية لحقوق الإنسان / الكرامة لحقوق
الإنسان، 09 حزيران/يونيو 2008
سيدي الرئيس،
إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة الكرامة لحقوق الإنسان تشاطران الإجماع الذي توصلت إليه وسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية الذي يفيد بأن المراجعة الخاصة بتونس قد رهنت بشكل خطير مصير هذا الإجراء الجديد المتعلق بالمراجعة الدورية الشاملة. علما أن هذا الإجراء كان يهدف في بادئ الأمر إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وإحراز تقدم بهذا الشأن.
لقد تميزت عملية النظر في تونس بالفعل بتوزيع سخي ولا مبرر له لعلامات الرضا وفيض من المجاملات على وفد يمثل احد البلدان التي اقل ما يمكن قوله بشأنها، أن انتهاكات حقوق الإنسان تمارس على ترابها بشكل آلي منهجي.
أما الحضور القوي للمنظمات غير الحكومية خالصة الولاء للحكومة والتي ترافق الوفد الرسمي بقيادة النواب وأعضاء مجلس الشيوخ المنتمين للحزب الحاكم، فلا تنطلي حبائله على أحد.
إن حقيقة أوضاع حقوق الإنسان في تونس هي في الواقع منذرة بالخطر على أكثر من صعيد: التعذيب والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة، ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان، وحظر المنظمات غير الحكومية المستقلة، والتراجع الكبير في حرية الصحافة، كل ذلك يميز واقع الحياة اليومية التونسية.
وللتذكير فالقمع لا يمس المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان فحسب، بل إنه يشمل أيضا كل بادرة من بوادر الاحتجاج الاجتماعي. واليوم فقط، تخضع مدينة الرديف المنجمية، الواقعة في الحوض المنجمي بقفصة ، في الجنوب الغربي الذي يعاني من حرمان وفقر مدقع، لسيطر الجيش عقب (بعد) حركة احتجاج تستمر منذ ستة أشهر وخلفت حتى الآن العديد من القتلى وعشرات الجرحى ومئات الاعتقالات.
إن تونس، التي لا تزال إلى يومنا هذا تراوغ أمام هذا لمجلس الموقر، تمتنع منذ أكثر من عقد من الزمن عن التعاون بشكل فعال، ليس مع الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة فحسب وإنما أيضا مع الآليات التوافقية التي انضمت إليها طواعية وهو ما تجسد عمليا بـ 15 سنة من التأخير على تقديم تقريرها الدوري إلى لجنة مناهضه التعذيب.
وإذا كان ما نقدمه اليوم أمام المجلس يبدو نغمة شاذة عن ما جرى داخله فإننا لا نستطيع تلخيص الحالة في تونس بتلك الهوة الهائلة التي تفصل الخطاب عن الواقع، كفيلة بأن تلخص الأوضاع السائدة في تونس.
ومن هذا المنطلق توجه المنظمات غير الحكومية العربية للدفاع عن حقوق الإنسان اليوم نداءً تهيب فيه بالأمم الديمقراطية كي تقرن خطابها الرسمي بواقع لا يمكنها تجاهله، كما توجه نداءً إلى الأمم داخل المجلس التي تحركها إرادة صادقة لبناء مجتمعات ديمقراطية ودول القانون والتي تبذل جهودا معتبرة لوضع حقوق الإنسان في صدارة اهتماماتها لتكف عن الدعم والتضامن مع البلدان التي جعلت من انتهاكات حقوق الإنسان نظام حكم تسير عليه.
أشكركم سيدي الرئيس،